د.صفوان داحول يقول في حديث رسمي للصحافة :إنه لا وجود لكلمة اسمها نقد تشكيلي عربي , ولو كان موجوداً لكان دافعاً أقوى للتشكيل .
د. عز الدين شموط تناول هذه المسألة وضروراتها في كتابه (النقد في الفن التشكيلي) وخلص من أبحاثه إلى أن بعض النقاد الفنيين لم يعودوا يلعبون دور الوسيط الثقافي النزيه , لذا فقد هذا النقد ثقة الجمهور ، لأنه صار منحازاً , ويقوم بالتزوير الفكري , والدعاية والترويج لتجارة فاسدة , وعوضاً عن النص النقدي الموضوعي , وتسليط الضوء على العمل الفني الجدي لإغناء الثقافة البصرية والمعرفة الإنسانية، تحول إلى كذب مفضوح وخداع للجمهور، وتزوير لتاريخ الفن وتحطيم لذاكرة الناس ودفعهم إلى نسيان القيم الحقيقية للفن.
ولأن وجود حركة نقدية تشكيلية حقيقية تعتبر نصاً توثيقيا جادا مرتبطا بمستوى العمل الفني , وهو إحدى دعائم الثقافة الفنية التي تساهم بالوعي الفني لدى المتلقي , ما يعني أن المفهوم المطلق للنقد هو الجسر الواصل بين المنتج الفني والمتلقي , ضممت إلى استطلاعي هذا ومساءلاتي مجموعة من النقاد المتخصصين , الذين لهم باع طويل بالفن التشكيلي , ولديهم أيضا أدواتهم النقدية الموضوعية , فأكدوا جميعا أن الثقافة عامل مهم لنجاح أي فنان , وأي ناقد ,وبدا لي كثير من الأصوات المعارضة للصحافة التشكيلية ولنقادها!
و.. قبائل النقد
د.عز الدين شموط يرى أنه لو كانت البداية بالفن للنقد لما كان لدينا أي عمل فني , بسبب القصور الثقافي والمعرفي -كمن ينزل إلى مباراة كرة قدم وهو يلبس قبقاباً- ويشيد بالجمهور العادي الذي يملك إحساسا أنقى من أرباع المثقفين الموجودين لدينا , ويعترض على البعض الذين يدعون النقد ويتعاطفون مع بعض الأعمال ولو بحسن نيّة ,أما الإحساس الآخر الذي تحدث عنه , معتبرا أن الإشكالية تكمن فيه , هو أن يضع الناقد تخلفه الذي يعاني منه حائلا أمام إحساسه الأول الفطري , بثقافة مهزوزة , أو شبه معدومة , إن لم تكن معدومة , ومبنية على كثير من الادعاءات , كيف لي أن أتحدث عن لوحة زيتية وأنا لا أفرق بينها وبين لوحة حفر أو اكريليك ؟ أحدهم يعتبر نفسه ناقدا يقول عن بعض أعمالي (وقد استعمل الكولاج ) مع العلم أنني لم أستخدمه في حياتي , لا أبخس الكولاج حقه , ولكن الشيء كمثال , وهوعلى أساس ناقد ويكتب بالنقد وخريج كلية فنون جميلة , هنا المأساة الحقيقية بالثقافة , عند البعض كلام يدعو للبكاء , شيء مضحك , في مكتبتي مقال احتفظت به منذ 15 عاما يقول الناقد فيه (وقد استعمل الأقمار الصناعية ) وعن لوحة أخرى أنجزتها عام 1972 قالوا ( وقد استعمل الإنترنت في لوحته ) هذا المسكين اعتقد أنه يخدمني على أساس الإنترنت في تلك الأيام كان شيئا حديثا وغير مفهوم , يذكرني النقاد بفيلم اسمه ( سقطت الآلهة من السماء ) يتحدث عن قبائل البوشمان , القبائل الإفريقية الموجودة في الغابات. يوم من الأيام يجدون قارورة كوكا كولا سقطت أمامهم على الأرض يستغربون العلبة والسائل الذي بداخلها , فيقفون حذرين منها ثم يأخذونها بتردد ليستخدموها في الدق بعد أن دحرجوها ولعبوا بها , بعض النقاد هم من قبائل البوشمان , البوشمان بعد أن لعبوا بالعلبة , انكسرت وجرحتهم وراحوا ليتخلصوا منها , قبائل النقد هم بيننا نزل عليهم الإنترنت فاعتقدوا أنه يصنع لوحة.
تحليل العمل الفني
ليس بالأمر اليسير
كثيرون مارسوا النقد منهم كُتَّاب أو صحفيون أو تشكيليون، قام معظمهم باتباع أهوائهم الشخصية , بالمديح المسهب للفنان ولأعماله الفنية أو العكس ,ومع ذلك فتحليل العمل الفني ليس بالأمر اليسير , الصحافة مثلا , يقول البعض إنها ساهمت بدور سلبي وقدمت شكلا من أشكال القراءة الأدبية للعمل الفني ,(ولا أبالغ إذ أقول إنها أحيانا كقراءة فنجان القهوة لدى المنجمين ) أنا أرى أن هذا نتيجة عدم إيمان القائمين على مؤسساتنا الصحفية بأهمية هذا المجال , وبرأيي أنها تجربة فاشلة ,لأن هذا النوع من الكتابة أو النقد , ليس متخصصا وخاليا من المعرفة بتاريخ الحركة التشكيلية , وتاريخ الفن والنقد الفني وعلم الجمال , لذلك لا فرق عندهم بين فنان امتد تاريخه في غور السنين وانصهر بالتجارب والإبداع , وآخر مازال في خطواته الفنية الأولى ، ومن المفروض أن يقوم النقد على أسس علمية مختصة إضافة إلى حساسية الناقد ، الذي يعتبر فنانا ثانيا كما يقول كروتشة .
النقد الفني
أبعد من ذلك بكثير
د. عفيف بهنسي يقف في مصاف نقاد الفن ومؤرخيه في الوطن العربي , الذين ساهموا في بحوثهم ودراساتهم بتوضيح الجوانب التاريخية القديمة والمعاصرة للفنون التشكيلية ، وأصدر الكثير من الكتب الفنية ,آخرها (النقد الفني و قراءة الصورة ) والذي قال فيه إن النقد الفني هو القراءة الصحيحة للعمل الفني , وليست قراءة صحفية تعريفية , ويقول بهنسي في بعض الصحف أرى أن هناك تزكية لبعض الأعمال , أو تقديم وجهات نظر لبعض الأعمال, النقد الفني أبعد من ذلك بكثير , إذا كان الناقد الفني موضع ثقة القارئ أو الفنانين يعطي شهادة بكفاءة الفنان ويقدم وجهات نظر لبعض الأعمال , ونقده يكون موضوعيا , لأنه يخلق فعلا صورة صحيحة لهذا الفنان ويعترف بوجود نقد فني ولك يوجد نقد فني لأن مجلة الحياة التشكيلية هي من أهم الأعمال التي أصدرتها وزارة الثقافة , ولكن لست مطمئنا إلى أن كل ما قدمته المنظمة العربية كان بمستوى ما يمكن أن يسمى القراءة الصحيحة للحركة الفنية في قطر معين , فالنقد الفني ليس قراءة لعمل فني محدد , أنا إذا أردت أن أقرأ بيكاسو في آخر عمل له , فإنني أرميه في سلة المهملات , ولكن عندما أكتب عن بيكاسو من خلال تاريخه الفني , من أول لحظة وكان عمره 15 عاما حتى اليوم , فإنني بذلك أستطيع أن أبين لماذا وصلت هذه اللوحة إلى هذا المستوى, ولوحة الجيرنكا الشهيرة لمن لا يعرف معنى الفن الذي قدمه بيكاسو يراها خربشات , و أحلام يقظة , ولكن عندما يقرأ بيكاسو ويقرأ أعماله عبر التاريخ , فإنه يدرك تماما أنه لم يصل إلى هذه المرحلة إلا بعد تطورات واسعة جدا في تحويل الصورة , من صورة بذاتها إلى صورة من أجل ذاته (ذات بيكاسو ) هذه مشكلة النقد الفني , مشكلة النقد ممارسة , وعميقة جدا في قراءة العمل الفني , وقراءة طويلة المدى , يعني لا أستطيع أن أتحدث عن فاتح المدرس مثلا دون أن أتذكر لوحته الأولى التي أخذ عليها جائزة , لكي أدرك أن هذا الإنسان بدأ ينظر إلى الأشياء بمنظار آخر , أعمق من أن يكون واقعيا , فاتح المدرس لم يكن واقعيا ولا يستطيع أن يكون واقعيا, هل أسقطه من تاريخ العمل الفني , أنا أنظر كيف عاش مناخ الصورة التي قدمها في بداية حياته , وبأي طريقة رسم ؟! فاتح يعيش أبعاد مجموعة من الصور في وقت واحد , من هنا تكون لدي أن هذا الإنسان يعيش في عالمه مئة في المئة , وعندما أريد أن أتحدث عنه , يفترض أن أتحدث عنه من خلال عالمه , وليس من خلال معجم تاريخ الفن , هكذا إذا النقد الفني موضوع شائك ومهم جدا , أنا أفرق بين ما يكتب في النقد الصحفي , وأعتبره استعراضا سريعا , وما يكتب بالحياة التشكيلية .
للحديث بقية , لأنه يطول في النقد التشكيلي, بنسبة توازي أهميته للثقافة الفنية , ومقومات نجاحها ,وللناتج الإبداعي أيضا , فالنقد هامش الإبداع , لا يتجزأ منه ولا يهمل .