وفي تقديمه للندوة بين صبحي حيدر مدير الثقافة أهمية التراث والآثار لدى الأمم وأن الأمة الحية هي التي تعتز بترابها لأنه يشكل أحد مكونات تاريخها وحضارتها وهويتها،
ومن جهة أخرى هو جسر تواصل بين الأجيال الآباء والأبناء وقال» هناك مقولة تتكرر لدى علماء الآثار أن من يطلق مسدسه على آثار الماضي، فإنه كمن يطلق مدفعاً على مستقبل العمران» ومن هنا فإن حماية آثارنا هي مسؤولية وطنية يتحملها الجميع وخصوصا في هذه المرحلة التي تشهدها بلادنا من تعد على حرمة الآثار بالدمار والتخريب واللصوصية بأيد عابثة سوداء تهدف إلى تشويه تاريخنا وتعطيل ذاكرتنا وطمس لعنوان حضارتنا.
استراتيجية وطنية لإظهار قيمة الآثار
واستعرض الدكتور محمود حمود واقع الآثار والتحديات التي تواجهها في ظل الأزمة التي تتعرض لها سورية والعبء الثقيل الواقع على مديرية الآثار وكوادرها مشيرا إلى التعديات الواقعة على المباني الأثرية والأسواق القديمة ودور العبادة الإسلامية والمسيحية في المحافظات وخاصة حلب وحمص ودرعا.
وتوقف عند السرقات التي تعرضت لها المتاحف والمواقع ومنها متحف حماة ومتحف التقاليد الشعبية بحلب ومتحف الرقة ومتحف المعرة وقلعة جعبر مشيرا إلى أعمال التنقيب غير الشرعية في التلال والمواقع الأثرية بحثا عن الكنوز التي تتم باستخدام آلات ثقيلة تخرب الطبقات الأثرية وتدمر كل شيء في الموقع.
وأشار حمود إلى سرقة وبيع الآثار ونقلها إلى خارج سورية حيث تغض بعض حكومات الدول المجاورة النظر عن الاتجار غير المشروع بالآثار السورية ولا تتعاون بالشكل الكامل مع الحكومة السورية لحماية هذه الآثار.
كما قدم شرحا عن المباني التي قامت دائرة الآثار بترميمها في ريف دمشق خلال الفترة السابقة ومنها ما يجري حتى الآن مثل مبنى ختان دنون الأثري.
وأكد على ضرورة وجود استراتيجية وطنية لإظهار قيمة الآثار التي تمتلكها سورية وهي خزان كبير ملك للبشرية جمعاء ولا يقع عاتق حمايته على الحكومة السورية فقط ولكن على كل مواطن وكل إنسان في هذا العالم لأن ما قدمته سورية لم يكن يخصها وحدها بل كان ثمرة قطفتها كل شعوب الأرض.
سورية تاريخ موغل في القدم
ومن جهته بين الدكتور عمار عبد الرحمن أهمية الآثار في سورية وقال: تميزت سورية عبر تاريخها الموغل في القدم بحضارات عديدة تعاقبت عليها، فقد كشفت مواقع نهر الكبير الشمالي وحوضة الكوم أن سورية قد استوطنت خلال العصر الحجري القديم منذ مليون سنة وامتد هذا الاستيطان حتى بداية العصر الدافئ وانتشار الزراعة في القرى الأولى التي أنشأتها على ضفاف الفرات في مواقع مثل (مريبط، جرف الأحمر، حوضة دمشق) في مواقع تل أسود والغرينة، وبعد الثورة الزراعية وتوطد أركانها نشأت المدن الأولى في التاريخ فقد دلت مواقع مثل حبوبة كبيرة الجنوبي، وتل قناص على وجود نظام مدني واجتماعي وأصبح فيه هيئات دينية وسياسية تدير الأمور التي أخذت بالتوسع وأصبح هناك معبد وقصر وقد بينت المحفوظات التي كشفت في بعض الممالك مثل ماري وإيبلا أهمية تاريخنا العريق حيث كشف أرشيف ضخم ضم حوالي عشرين ألفا من الرقيمات الطينية تحكي تاريخ سورية إضافة إلى مدينة أوغاريت على الساحل السوري التي أهدت البشرية الأبجدية وكشفت فيها نقوش كتبت بلغات مختلفة تدل على هذا التفاعل الثقافي الذي كان سائدا آنذاك وعلى التاريخ الذي يعبق بالعزة والفخار..
جهود حثيثة ..لحمايتها
وقد عرض الدكتور محمود حمود للجهود التي تبذل من أجل حماية آثارنا فقال: تم عقد أكثر من ورشة عمل ومؤتمر ولقاءات دولية في سبيل الحفاظ على الآثار السورية ومنع التعدي عليها والاتجار بها ومنها المؤتمر الذي عقد في عمان بحضور جهات دولية عديدة «الانتربول، عدد من علماء الآثار في العالم» وعدد كبير من المهتمين بالآثار السورية اعربوا عن استعدادهم تقديم كل مساعدة ممكنة في سبيل الحفاظ على الآثار والمواقع الأثرية، وقد عقد لقاء آخر في مدينة ليون في فرنسا مع أمينة منظمة اليونيسكو والمندوب الأممي الأخضر الإبراهيمي الذين أثنوا على الإجراءات التي اتخذت في المديرية العامة للآثار ووعدوا بإجراء اللازم وإصدار توجيهات وقرارات وتعاميم للدول المحيطة بسورية ودول العالم كافة من أجل منع تهريب الآثار السورية ومحاسبة الفاعلين.
ويسجل للبنان الشقيق إعادته للعشرات من القطع الأثرية المهربة من سورية على دفعتين .
وفي الحقيقة إن حماية الآثار تعجز عنه أي سلطة في العالم، فالأمر يحتاج إلى تضافر جهود القوى الوطنية والمدنية والاجتماعية كافة إضافة إلى المؤسسات الرسمية المحلية والعالمية، لاسيما وأن سورية تمتلك مخزونا كبيرا من المواقع الأثرية يزيد عن عشرة آلاف موقع، فمن المحال حمايتها في ظل الأوضاع الآمنة فكيف يمكن حمايتها في ظل الأزمة الثقيلة التي تعصف في بلادنا ومع ذلك لن نوفر جهداً نبذله لنكون أوفياء تجاه أسلافنا وأجدادنا الذين بنوا لنا هذه الحضارة كي لا تضيع في ضوضاء الأحداث الراهنة.