تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


امـتــــلاك الآلات هـــو المـعـيــــار الأقـــوى في الـصـــراع الـقـــــائــــم

دراسات
الثلاثاء 24-7-2018
د. أحمد الحاج علي

التحولات التاريخية الكبرى في حياة الأمم الحية لها بدايات ولكنها من دون نهايات، تغلق التفاعلات وتقتصر على الوقائع الملموسة عسكرياً وسياسياً، وهنا يكمن المستوى المفتوح على الدراسة والتحليل عالمياً للتحولات التي ينجزها الوطن السوري بخطا ثابتة وبتسارع يكتسب مع كل معركة خبرة جديدة ويفتح الأفق أمام خطوات على طريق المستقبل المنظور والبعيد،

وهنا لابد من استخراج العناوين الأساسية لهذه التحولات في الوطن السوري وأولها أن هذه التحولات ذاتها هي نتاج لوطن بكل ما فيه من ذاكرة وأعماق وموروث مادي ومعنوي، وندرك من خلال ما يجري في سورية أن الأحداث التاريخية الكبرى لا تصدر من الفراغ ولا تؤول إلى الفراغ، بل هي سلسلة حيوية ترتبط النتائج فيها بمقدمات وتتحول المقدمات فيها إلى آفاق أكثر عمقاً وأبلغ تأثيراً، وهنا نكتشف أن الوطن السوري يمتلك هذه الخاصية فهو ليس عابراً وليس أحادي الجانب، إنه مسيرة حية متحركة وفي اللحظات الصعبة تنبعث هذه المسيرة عبر آفاق يتوالد بعضها من بعض، ويمكن من خلال هذه المسيرة أن نستنهض كل المناقب والأخلاقيات التي بدت كامنة في الزمن الإيقاعي ولكنها سرعان ما تتحرك من الجذور، وتنمو وتزهر وتثمر وتطلق طاقات غير محدودة من شأنها أن تسدد حاجات اللحظة الخطرة القائمة، وفي ذات السياق تؤسس لمقاطع جديدة من المهام الوطنية والأهداف الكبرى التي حاول المعتدون أن يغمروها بثقل الصراع في مسعىً واضح لكي يجمدوا صيرورة الأداء الوطني السوري لأنهم يعلمون أن أبعاد هذا الوطن في منحى القضايا المصيرية يتوالد بعضها من بعض، فإذا هي تنبعث من جديد وتتجدد وتنجز منطق التراكم العضوي، وهذه الميزة الحيوية هي التي فسرت في الزمن الصعب قوة التصدي وتطوره بمعدلات قصوى نحو المقاطع الأهم والمالكة لمقدرة الرد على المؤامرة والقادرة على الانتقال إلى مرحلة ردع قوى وأهداف هذه المؤامرة المصيّرة.‏

هذا واحد من العناوين الكبرى التي تحيط بالطاقة الوطنية وهي تنجز وتتجذر وتتقدم من مسافة لأخرى ذلك أن التكامل العضوي في إيقاع الزمن السوري والإنسان السوري والإرادة السورية.‏

هذا التكامل ليس مجرد وصف خارجي وإنما هو قانون تاريخي حيوي، ألفه بل اعتنقه هذا الوطن بكل ما فيه من أصول وموروث وخصائص والذين أعدوا لهذا العدوان لم يكن من منطقهم أو وعيهم أن هذا الحال سوف يتراكم وينبعث إلى هذه الدرجة النوعية، كان المعيار لديهم هو الجمع الكمي والنوعي لأسلحة العدوان على سورية السياسية منها والعسكرية والمادية والإعلامية وتهيأ لهم بموجب ذلك أنهم قادرون على حسم المعركة مع سورية حتى من مرحلة البدء الأول بها، لقد غابت عنهم تماماً خصائص الشعوب الحية بصورة عامة وهي التي تتجلى في الظرف الخطر والزمن الصعب وفي معركة الحسابات على الطرفين كانت مفرداتهم تتآكل وكانت مفرداتنا تنمو أكثر وتتعمق أكثر وتنتشر أكثر.‏

وبموجب هذه الحقيقة فإن الوطن السوري ما زال يعيش حالتين ضروريتين متكاملتين هما ذاتا مضمون فكري وعملي على قدر ما هما يشكلان معياراً لقياس منطق الأحداث ودرجة خطرها، أما الحالة الأولى فهي التي تتمثل في أن نتائج هذا الصراع سوف تؤدي إلى انبعاث بغير حدود في مآلات المعارك القاسية.‏

وبالتأكيد لن تكون سورية العربية في مسرى التحولات كما كانت قبل مجريات الصراع، إن الدم الزكي والشهادة والشهداء وصبر الملايين على الجوع والحصار لن يذهب هدراً، بل سيؤكد حقيقة مهمة وهي أن سورية في معركة ما بعد الإرهاب ستكون واسعة الأبعاد وعميقة التأثير بمعدلات أبعد بمسافات زمنية عما كانت عليه قبل هذا العدوان وهذا ما يشكل المؤرق الحقيقي للمشروع الإرهابي الصهيوني الرجعي وليس بمقدور أحد أن يجمد أو يبرد إيقاع التطور بعد هذه المعارك.‏

ولننظر الآن مدى الفزع الصهيوني من أن تتدافع التحولات الوطنية السورية باتجاه الجولان المحتل والقوى المعادية هي التي حرضت على العدوان، وعليها الآن أن تحصد نتائج الصمود الذي بدأ يحتاج كل المفاهيم وكل الوقائع التي من شأنها أن تتحول إلى معالم جديدة والوطن الذي تحرر من الإرهاب في داخله هو ذاته الوطن الذي يحرر أرضه ويستعيد سيادته ويلقي بالمحتل واحتلاله إلى مقادير وأقدار لم تكن في حسبانهم، وهذا هو الهم الصهيوني الأكبر في هذه الأيام، وفي الحالة الثانية فإن منطق التحولات الكبرى في سورية سوف يتعامل بل يجتاح الإرهابيين كتنظيمات وفصائل وتسميات مفتعلة وفي ذات اللحظة والسياق يتحرك الوطن السوري لاجتياح الإرهاب كمادة فكرية وثقافية وافدة وبنية اعتمدت التزوير والاحتيال والسرقة والسطو على المقدسات الإسلامية وغير الإسلامية، أي إن المهمة التي نحن في أعتابها تعني اجتثاث الإرهابيين والبدء باجتثاث الإرهاب، وهذه المهمة هي ملحة من جهة وهي قصوى في حدها الأدنى وهي قدر لا بديل منه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية