وكان بن غوريون تصور عام 1918 أن حدود دولته المزعومة «يجب أن تضم النقب برمته وجزءاً من «سنجق» دمشق وأقضية القنيطرة إضافة إلى وادي عنجر وحاصبيا» التابعين للبنان حالياً، وبدأ بحث المستوطنين على الاستيطان في الجولان مبكراً بالتزامن مع بدء الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
ولم يكن قرار الرئيس الأميركي الصهيوني الهوى دونالد ترامب الذي اعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان ليغفل هذه الحقيقة ــ التي ربما هناك من نبهه إليها ــ حيث أكد بأن مرتفعات الجولان السورية لها أهمية استراتيجية وأمنية بالنسبة لإسرائيل، ولكن يبدو أن هناك أشياء أخرى لم يقلها، أسباب خفية وراء استماتة الصهاينة في الحصول على اعتراف أميركي «بشرعية» احتلالهم للجولان وتقديم الدعم لاجراءاتهم الباطلة فيه، وهو أمر تردد إزاءه معظم الرؤساء الأميركيون الذين سبقوه، إذ يعتبر الجولان كنزاً لا يقدر بثمن تبعاً لثرواته المائية والنفطية والطاقية والزراعية وما قد ينجم عن استثمار هذه الثروات من فوائد جمة تعود على الكيان وتساعده في جموحه نحو الهيمنة والتوسع في المنطقة.
من المعروف أن الجولان المحتل وبالنظر إلى كميات الثلوج والأمطار التي تهطل على مرتفعاته يُعدّ مصدراً للمياه العذبة للمناطق المجاورة له حيث يسود الجفاف، فأمطاره وثلوجه تغذّي نهر الأردن وتوفر ثلث مياه الاراضي المحتلة إذ تطلّ هضبة الجولان على بحيرة طبريا التي تصل إليها المياه الحلوة بشكل أساسي بعد ذوبان الثلوج على جبل الشيخ، ومن ثم تتجه لتغذي مخزون نهر الأردن، ومن المعروف أن الجولان يتمتع بغزارة في أمطاره الشتوية، إذ تتزايد معدلات الأمطار مع التزايد في الارتفاعات بسبب تضاريسه وتعرضه للرياح الغربية الممطرة، وبذلك فهو يمثل أكبر تجمع مائي في المنطقة العربية، وقد قال شمعون بيريز في أحد مؤتمرات دافوس الاقتصادية أن «أحد أهم القضايا التي يجب الإجماع عليها لتحقيق السلام في المنطقة» هي المياه بمعنى أن سلطات الاحتلال لن تنسحب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 إلا بعد أن تحل مشكلة المياه، لذلك نجد أن سلطات الاحتلال قد عمدت إلى اتباع مختلف السياسات التوسعية الهادفة للاستيلاء على جميع مصادر المياه الموجودة في الجولان المحتل، إذ قامت بوضع اليد والسيطرة على منابع نهر بانياس الموجودة في الجهة الشمالية الغربية من الجولان والاستثمار بها، ويبلغ المنسوب السنوي لهذا النهر 125 مليون متر مكعب من المياه، توظفها الحكومة الإسرائيلية لخدمة المستوطنات التي أقامتها في الجولان، ولري سهل الحولة، أما ما يبقى منها فإنه يترك ليصب في بحيرة طبريا، وقد عمدت سلطات الاحتلال إلى إقامة 18 بحيرة صناعية، تستوعب نحو 60 مليون متر مكعب من مياه الأمطار والينابيع والوديان، يتم إملاؤها في فصل الشتاء وتستخدم لري الأراضي الزراعية التابعة للمستوطنين طوال فصل الصيف، كما قامت بحفر عشرات الآبار الارتوازية في سائر أنحاء الجولان المحتل، لتحصل على ملايين الأمتار من المياه الجوفية وتحويلها إلى المستوطنين وإلى داخل الأرض المحتلة للاستعمال المنزلي في الوقت الذي منعت أهلنا في الجولان من حفر الآبار الارتوازية وتشييد البرك الصناعية، كما حرمتهم من تجميع السيول والينابيع التي تجري خلال فصل الشتاء لاستخدامها في ري أراضيهم الزراعية.
وترفض سلطات الاحتلال التخلي عن الجولان بعد أن اكتشفت ما يحويه من موارد طبيعية مثل الغاز والنفط، حيث بيّنت دراسة أجراها خبراء شركة «أوفك» الإسرائيلية- الأميركية وجود كميات هائلة من النفط الخام والغاز الطبيعي في هضبة الجولان، وقد لفت الموقع الإلكتروني للشركة إلى وجود مخازن من النفط على عمق بسيط جنوبي الهضبة، وهو قابل للاستخراج والإنتاج، الأمر الذي سيخدم الاحتلال من ناحية إنتاج الطاقة، ويجعلها تكتفي ذاتياً في هذا المجال. ووفقا لما قاله عالم الجيولوجيا المسؤول في الشركة التي قامت بعملية التنقيب، بأنه أجري ثلاث عمليات تنقيب في جنوب هضبة الجولان، تبيّن منها وجود كميات كبيرة من النفط. ويقدر مخزون الموقع بمليارات البراميل من الذهب الأسود الثمين، وهناك إمكانية نظرية لسد حاجة السوق الإسرائيلية التي تحتاج كل يوم إلى نحو 270 ألف برميل، علماً بأن سلطات الاحتلال شرعت منذ مطلع التسعينيات بمحاولات التنقيب عن النفط في الجولان المحتل، ثم توقفت إبّان حكومة إسحاق رابين إثر المفاوضات السلام التي جرت وقتها، لكن بعد وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء عام 1996، تعالت أصوات إسرائيلية بتجديد التنقيب عن النفط والغاز في الجولان المحتل، بعد أن قامت سلطات الاحتلال بإخضاعه لقوانينها الاحتلالية.
وقد عمدت سلطات الاحتلال إلى حفر 10 آبار استكشافية بعمق كيلومترين، وتعتقد الشركة المنفذة للمشروع بإمكانية استخراج النفط وغيره من المعادن ذات الأهمية عبر عمليات الحفر، وقد كان لاكتشاف النفط في الجولان الأثر الكبير في بناء الآمال لتوفير الطاقة بشكل عام فضلا عما ينتج من فرص عمل ودعم اقتصادي.
إلى جانب ذلك تمثل الزراعة في الجولان أهمية كبيرة للكيان إذ تقدر إيراداته بعشرات ملايين الدولارات، وتشكّل رافداً اقتصاديا مهماً، لذلك لم يتوقف النهب الإسرائيلي لموارده الطبيعية التي تجود بها أرضاً زراعية خصبة، ومنذ احتلاله عام 1967 قامت إسرائيل بالاستحواذ على مساحات من الجولان وأنشأت بها المستوطنات التي قامت بزراعة الفاكهة والخضراوات والحبوب والأزهار، فالجولان يتميز بمناخ مناسب لزراعة التفاح والكرز ليس له نظير في محيطه وتنتج ثلاث قرى ( مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة) 35% من كمية التفاح، ويحاول المستوطنون إنشاء مراكز خاصة بهدف إبراز القيمة الزراعية للمشروع الاستيطاني، وقامت حكومات الاحتلال المتعاقبة بإصدار سلسلة من الأوامر العسكرية لتضييق الخناق على أهلنا في الجولان ومصادرة أراضيهم ولم يبق لهم إلا النزر اليسير من هذه الأراضي.
كذلك نشر الاحتلال الإسرائيلي محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مختلف المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الجولان، ضمن مشروع لتحويل الجولان إلى منطقة خضراء، واستنادا إلى عدة دراسات تم إجراؤها، تبيّن أن مناطق الجولان السوري المحتل تعتبر الأمثل لإقامة محطات إنتاج الطاقة الكهربائية، بسبب ظروف الأحوال الجوية وحركة الرياح واستغلال أشعة الشمس.
وفي كل الأحوال، مهما كانت الأسباب التي تزيد من استشراس الكيان الصهيوني في التمسك باحتلاله البغيض للجولان، عليه أن يعلم أن لهذه الأرض أصحاب حقيقيون وأصيلون منذ آلاف السنين ولن يتخلوا عنها مهما كانت التضحيات، وأن دمشق التي تعتبر الجولان قضيتها الرئيسة لن تتنازل عن ذرة من ترابه ، وقد خاضت حرباً عظيمة من أجل تحريره وهي مستعدة لخوض حروب أخرى في سبيل ذلك، لأنه جزء غالٍ من أرضها وهويتها عبر التاريخ، والاحتلال إلى زوال مهما طال أمده، وليست إسرائيل أول المحتلين له، إذ سبقها الكثير من الغزاة والمحتلين الذين اندحروا عن ترابها بلا قيد أو شرط.