وردتنا الشامية او ما يطلق عليها الوردة الجورية الدمشقية التي تغازل حقولنا وحدائقنا وبوابات حاراتنا ومنازلنا في ربيع نضجها ومواسم قطافها .. وردة عشقت كل الفصول وعشقناها نحن بكل ألوانها ..
وجدت الوردة الشامية في منطقة شرق المتوسط،منذ آلاف السنين ،حيث تعود أقدم المخطوطات التي ذكرت فيها هذه الشجرة والتي تعود لهذه المنطقة منذ أكثر من ألفي عام قبل الميلاد ،ويعد ابن سينا اول من اكتشف الفائدة العطرية والتقطيرية لهذه الوردة وأول من بدأ باستخراج الزيت العطري من الوردة الدمشقية منذ القرن الحادي عشر الميلاد ..وانتقلت هذه الصناعة وفق ما ذكرته معطيات كتاب التراث الثقافي اللامادي السوري ، إلى دمشق عن طريق التبادلات التجارية التي كانت تجري بين مدينة بخارى «موطن العالم ابن سينا»وبلاد الشام ،ومنها انتقلت الى دول العالم وأوروبا التي عنيت كثيرا بالورود الدمشقية وقامت استيرادها لزراعتها واستخلاص العطر منها ،حيث يعد عطر الوردة الدمشقية هو الأغلى ثمنا بين جميع أنواع العطور في اوروبا،ويدخل ايضا في تركيب العطور الفاخرة الأخرى ..
زيتها الأغلى عالميا
تنتشر حرفة استخلاص العطر من الوردة الدمشقية في أماكن تم وضعها أو قريبا منها كغوطة دمشق والقلمون في قرى المراح والقسطل إذ تشكل هذه المناطق نسبة ٧٤% من المناطق المنتجة للزيت العطري الوردة ، فيما ينتج القسم الآخر في محافظة حلب بنسبة ٢٤% ومحافظة السويداء ٢% ..يمارس الذكور حرفة استخلاص الزيوت العطرية وما يرافقها من منتجات مثل ماء الورد من الوردة الدمشقية ،أما قطف الورد فيقوم به الرجال والنساء ..حيث يستحسن أن تقطف بفصل الربيع في الصباح الباكر لتكون ندية ما يزيد من كمية الزيت المستخرج من الورد .
والزيت العطري المستخرج هو عبارة عن زيت طيار يعرف باسم زيت «رو زكام «ويعرف عالميا «rosootto» ويستعمل هذا الزيت العطري لصناعة افخر انواع العطور وأغلاها ثمنا..وبحسب المصادر يم استخلاص الزيت العطري من بتلات الوردة الدمشقية بطريقتين :التقطير حيث تستخدم اجهزة محلية الصنع مكونة من وعاء يسمى» الكركة «توضع فيه بتلات الازهار وأثناء غليان الماء يسعد البخار إلى السطح الملامس ويتحول إلى قطرات تنتهي إلى أنبوب يؤدي إلى وعاء خاص يجمع فيه ماء الورد ،أما زيت الورد الذي يطفو على سطح الماء في الكركة يخرج من فتحة أخرى ليتم تجميعه،أما عصر الورد فيتم عن طريق الضغط باستخدام جهاز يسمى المكبس ..
ومن حيث الخصوصية والأهم للوردة الدمشقية هو الزيت العطري»زيت الورد»الذي وصفه الصينيون بأنه اغلى من الذهب وله فوائد عديدة عطرية وطبية ،تتمثل في إيقاف نزيف الدم ومعالجة أمراض الكلى والحصى والجهاز البولي..بينما ماء الورد فيفيد البشرة وينقيها ويعطيها ويساعد على إزالة التجاعيد ناهيك عن إضفاء نكهة محببة اذا ما أضيف لبعض الحلويات والمشروبات..
وتذكر الأبحاث أن إنتاج كيلو غرام واحد من زيت الوردة الدمشقية يحتاج إلى أربعة أطنان من الورد ويباع زيت الورد بالغرام ، بينما يحتاج إنتاج ٨٠٠ غرام من ماء الورد إلى كيلو غرام من الورد الدمشقي
قواعد وأصول
لهذه المهنة أسس وقواعد لا يسمح لغير العاملين بالوصول إليها ويتعلم الصناع سر المهنة منذ الصغر ،فهي تحتاج الدقة والخبرة لاستخراج الزيت من الوردة ومن ثم استخدامه في تركيب العطور ،وبذلك يتم نقل المعرفة من الآباء إلى الأبناء من بعدهم، خاصة وأن شيوخ الكار حريصون على تعليم ابنائهم تفاصيل الصنعة لأن العطور الدمشقية تطبيقات علاجية ونفسية،عصبية وبدنية،وجدت منذ مئات السنين .
لذا نجد ماهية الخصوصية للزهور التي ترتبط بالذائقة الجمالية.. البصرية والحسية في المجتمع السوري ما يعكس الغنى الثقافي في التعامل مع الطبيعة.
هذا وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، أول أمس، إدراج عنصر «الوردة الشامية»، وما يرتبط بها من ممارسات وصناعات حرفية في قرية المراح، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي.
وتشتهر البلدة السورية التي تتبع منطقة النبك، بزراعة الوردة الشامية، التي تنمو فيها بشكل طبيعي نظراً إلى ملاءمة التربة والظروف المناخية.
وتشكّل هذه الزراعة وما يرافقها من منتجات تعتمد على الوردة الشامية، أحد أبرز مصادر الدخل لسكان هذه البلدة، كما أنها تقليد متوارث في عدد من قرى منطقة القلمون.
الخطوة الأممية أتت خلال الاجتماع السنوي للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، المنعقد حالياً وحتى 14 كانون الأول في بوغوتا (كولومبيا).
ويتعيّن على اللجنة أن تبتّ في ستة طلبات لإدراج مواقع في قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، بينها فن التلّي للتطريز في صعيد مصر، وفي 41 طلباً لإدراج مواقع في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، وبينها (من البلدان العربية) الوردة الشامية في سورية.