وفي زمنٍ تفاقم فيه (سقم الثقافة وعنف اللغة وعقمها) وهو العنوان الذي استحقَّ أن نؤكد عليه، ولأننا فيه:
(أبناء الحياة، تقحَّمنا الموت وأطعمناه أقلامنا، لسنا على تخومِ المقابرِ أبداً، وحبرنا صوتنا، صورتنا.. من نبضِ الناس وللناس).
إنه رأيٌ مبنيٌّ على تمرُس من أطلقهُ بالشؤون الثقافية والفكرية واللغوية.. تمرُّس كاتبٍ سرى عشق لغته في دمه، إلى أن قطّرها قلمه:
(اللغة كائنٌ حي.. حقيقة لا خلاف حولها.. تنمو بنموِ مستخدميها، وتزدهر بازدهارهم.. تخصب بخصبهم، وتعقم حين يُصابون بالعقم العلمي والفكري والأدبي والإنساني والاجتماعي والتربوي.. عقمٌ يعمُّ كلّ شيء إلا جاهليةٍ عرجاء، وبطشٌ أحمق ميراثهُ الدم والموت والقتل، وجذوره معشعشة في خبايا التفكير الذي لم تستطع أقوى أشعة المعرفة الكونية أن تخترقه وتضيء..).
حتماً، هو رأيٌ ما أطلقه الكاتب إلا بعد أن رأى بأن الحرب التي كشَّرت عن بشاعتها الإنسانية، والتي أنشبت مخالبها بجنونٍ على كلِّ ما في الأرض السورية، قد عرّت تفكيرنا، ودلَّت على أننا:
(مازلنا عند عتباتِ كهوف العنجهية والظلمة، ولا أقول الجاهلية التي تعني في أحد معانيها شيئاً من النمو والتمرُّد).
بالتأكيد، هو لم يطلق هكذا رأي عبثاً، ذلك أن في مخزونه الثقافي والواقعي، ما يكفي لجعل من يقرأ رسالته يتَّعظ فكراً وخُلقاً.. أيضاً، يتلمَّس مكمن وجوده، ويشعر بصفعة كلماتٍ تسعى لتذكيره، وكي لا يتجاوز حدوده:
(على الرغم من علوِ الشهادات التي يتزين بها الكثيرون ممن كنّا نظنُّ أنهم منابر العلم والمعرفة، إلا أننا رأيناهم فجأة، يعودون القهقرى إلى أسوأ الخلق والتصرفات، فلاهم أساتذة جامعيون، ولاهم أطباء ولا إعلاميون، وإنما قادمون من كهوفِ ما قبل حتى مرحلة التوحش، فكيف ينتج هؤلاء لغة وعلماً ومعرفة وفكراً؟!.. كيف يولدون مصطلحات فكرية وعلمية وتنويرية؟»!!..
نعم، هي صفعة، ولأهل النفاق ممن اتَّخذوا الثقافة سبيلاً للنهوضِ غير المولود إلا من رحم الحقد والطائفية.. إلا من تبنّوا الأفكار المتسربلة بظلامِ معتقدات لا تتفاعل بل تتقاتل، وبطريقةٍ تجعلهم بعيدين كلّ البعد عن الإنسانية الأخلاقية.
لا شك أنه حال المشهد الثقافي والإبداعي العربي عموماً.. المشهد الذي قرأه (حسن) جيداً.. قرأه وأشار على كلِّ المدّعين والمتسلِّقين والمواربين والمتباهين فيه، مؤكداً بأن ما بقي من هذا المشهد ولا يزال يعول عليه:
(إن هذا الركام من النفايات اللغوية، لا يعني بالضرورة أنه قادر على إزاحة الحقيقي إلى ما لا نهاية، فثمّة غربال له الحكم الفصل، هو غربال الزمن، وقدرته على الفرز في أصعب الأحوال).
باختصار.. هو رأي كاتب لا يتوقف عن دعوته: (علينا أن نُعمل مبضع الجراح في استئصال التهويمات اللغوية، من أجلِ دروبٍ حقيقية).. أيضاً، هو الحقيقة التي استعان بكلماتِ أحد علماء اللغات لتأكيدها وضمّنها رسالته:
(لم أجد لغة أجمل من العربية، ولكن أبناءها يعملون على دفنها بسرعة.. نحن في عالمٍ لا يرحم، وصراعه في الركن الأول والأخير منه، ثقافي وفكري.. حربُ لغاتٍ ومصطلحات، وأظنُّ أننا على أعتابِ مرحلةٍ نعلن فيها بأننا خسرنا حربنا اللغوية، إلا إذا حدثت معجزة، فهل ننتظر..)؟!!!!.