بحيث لا تخرج عن النطاق المسموح به أميركياً، أما بعض الأصوات الغربية التي توحي بالظاهر أنها جنوح نحو الخروج عن الطاعة الأميركية، فهي لا تعدو كونها جس نبض لإمكانية تحصيل بعض المكاسب الإضافية لا أكثر، كتصريح الرئيس الفرنسي الأخير بوجوب بناء أوروبا قوة عسكرية ذاتية في الشرق الأوسط، على اعتبار أن هذه المنطقة تعتبر استراتيجية بالنسبة للقارة العجوز، أو التصريح الألماني على لسان وزير الخارجية هايكو ماس بضرورة رفض أوروبا للتدخلات الأميركية، لا سيما في مجال سياسة الطاقة، وأيضا عدم الخضوع لسياسة العقوبات الأميركية.
في سورية، تصعد أميركا على جميع الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية، والتنظيمات الإرهابية لا تقدم على أي خطوة عدوانية، كتجميع صفوفها وتحشيد فصائلها، أو تسريع وتيرة التحضير لاستفزازات كيميائية، إلا بأوامر عليا من البيت الأبيض، حتى وإن كانت هذه الأوامر تأتيها عبر الضامن التركي، وعندما يؤكد الفرنسي بأن نظام أردوغان يحضّر لإعادة تعويم داعش، فثمة رسالة للغرب الاستعماري بأن يعزز تواجده غير المشروع على بعض الأراضي السورية تحت ذريعة مكافحة داعش، ولاسيما أن الأميركي يطالب أدواته الغربية بشكل دائم إرسال قوات إضافية لتحل مكان قواته المحتلة بحال قرر الانسحاب، في اللحظة التي سيجد نفسه أمام مقاومة شعبية لا يستطيع تحمل ارتداداتها.
أميركا التي وضعت مسألة سرقة النفط السوري في صلب اهتماماتها، تصوّب سهامها العدوانية تجاه كل الدول المناهضة لمخططاتها، حتى إن وزير خارجيتها مايك بومبيو، والمفترض أن يسلك النهج الدبلوماسي بحكم وظيفته، تحوّل إلى بوق يردد سياسة البلطجة والعربدة الأميركية، فيرفع وتيرة تهديده إلى إيران حيناً، ويصعّد نبرته العدائية تجاه المقاومة الوطنية اللبنانية حيناً آخر، ويعزف على وتر التحريض في العراق، ليمهد للكيان الصهيوني ركوب موجة التهديد والتحريض معاً، ويعطي أتباعه الأوروبيين مساحة كافية لحشر أنوفهم في الساحات العربية، بما يتوافق مع مقتضيات المصلحة الراهنة، كي يتسنى خطط البنتاغون بزيادة القوات الأميركية في المنطقة طريقها للتنفيذ.
اللص أردوغان، وجد في الرغبة الأميركية بعدم التخلي عن خدماته كحليف أساسي في عصابة «الناتو» فرصة سانحة لرفع منسوب ابتزازه على الصعيد الدولي، سواء عبر مراوغاته مع الجانب الروسي فيما يخص تنفيذ مخرجات «آستنة» و»سوتشي» في سورية، أو من خلال تهديده للأمن القومي المصري عبر البوابة الليبية، أو تصعيد قرصنته البحرية قبالة قبرص واليونان، إضافة إلى تهديد أوروبا بإرهابيي داعش المختبئين تحت عباءته في المدن التركية، وكل ذلك من أجل إعطائه مساحة لو ضئيلة لتكريس نفوذه في المنطقة، لا سيما وأنه لا يزال يحتفظ بورقة الإرهاب، وبإمكانه أن يشهرها في أي وقت يريد.. ولكن أردوغان ومشغليه في البيت الأبيض لم يحسبوا بعد للحظة انتفاض الشعوب ضد قوى الهيمنة والعدوان.