ذلك لأن ما يهم الإدارة الأميركية لا يتوقف عند حصولها على النفط وجني الأرباح من بيعه فحسب، بل لتسخيره أيضاً في فرض السيطرة السياسة من خلال تطبيق الدكتاتورية العسكرية الإقليمية.
نُشرت العديد من المقالات في وسائل الإعلام العالمية بشأن سياسة واشنطن العدائية في سورية على مدى الأيام القليلة الماضية، وقد استشهدت تلك المقالات بتصريحات أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير الدفاع مارك اسبر، حيث قالا بأن القوات الأميركية (ستعمد إلى حماية حقول النفط السورية) دون أن تأخذ باعتبارها العقوبات التي قد يفرضها مجلس الأمن أو المناهضة التي تلجأ إليها السلطات السورية الرسمية التي تعد المالك الحقيقي للموارد الطبيعية في سورية.
منذ احتلال الولايات المتحدة لمواقع في سورية عام 2013، نجدها قد تعمدت ضرب الحائط بالقوانين الدولية كافة، ولم تنفك البتة عن ممارسة أعمالها العدائية التي تسهر على تطبيقها عبر تعاقدها مع شركة بلاك ووتر العسكرية الخاصة التي باتت معروفة اليوم باسم (أكاديمي)، ويعمل هؤلاء المرتزقة إلى جانب الجيش الأميركي لحماية القوافل التي تحمل النفط السوري من القامشلي إلى الحدود مع العراق، حيث يتم العبور من معبر تل كوشر الحدودي، وبعد ذلك، يباع النفط على أنه منتج عراقي. ووفقاً لبعض التقارير، عمدت واشنطن مؤخراً إلى زيادة أعداد مرتزقة بلاك ووتر (المشهورة بسفك الدماء في أنحاء كثيرة من العالم) في أراضي محافظة دير الزور السورية الغنية بالنفط إلى 2500 مرتزق.
في السابق، انخرط الأكراد بشدة في هذا النوع من العمليات التجارية غير الشرعية، منفذين 75% من تجارة النفط الأميركية غير القانونية، لكن إثر اجتماع جرى في شهر نيسان داخل القاعدة العسكرية الأميركية في عين عيسى بين ممثلين عن البنتاغون وكبار المسؤولين فيما يسمى (القوات الديمقراطية السورية) بدأ الأميركيون بالاحتفاظ بالحصة الأكبر من الأرباح لأنفسهم، واقتسامها مع كبار القادة من النخبة الكردية مقابل (الولاء)، ويبدو أن بعض البنوك تشارك في غسيل الأموال من خلال فروعها في العراق، خاصة التي تقع على مقربة من القواعد العسكرية الأميركية في القيارة وكركوك.
وبناءً على هذه الخلفية، لا بد من الإشارة إلى أن الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في محافظة دير الزور كانت مقراً لأعضاء المجموعة الإرهابية (داعش)، التي لم يتم القضاء عليها بشكل مطلق، بل إن من تبقى منها قدم الولاء مؤخراً للمتزعم الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القريشي، ومع ذلك، لم تستغل الولايات المتحدة الفرصة لدفع قواتها العسكرية بغية القضاء على هذه العصابة المتطرفة ، الأمر الذي يعطي الدليل على عدم اهتمام واشنطن بإلحاق الهزيمة بالمشروع الداعشي، بل جل اهتمامها قد انصب على استثمار القوى العاملة والأموال، كما يدل أيضاً أن ما تولي الولايات المتحدة اهتماماً له يتلخص بتسخير المقاتلين الأكراد وفلول داعش لحماية المناطق الغنية بالنفط التي سيطرت عليها، وعلاوة على ذلك، فقد تستمر الولايات المتحدة في الوقت الحاضر بالادعاء بمحاربة الإرهاب ما يشكل مبرراً للاستمرار بالحرب، خاصة بعد أن عمدت إلى توظيف الأكراد وداعش في الشرق الأوسط للحفاظ على نفوذها في المنطقة.
وبالنظر إلى تصريحات السياسيين الأميركيين مؤخراً، نجد أن واشنطن لا تسعى لإخفاء مآربها الحقيقية في سورية فهي لا تتوجه نحو محاربة الإرهاب والتخفيف من حدة الحرب، بل إن ما تريده هو الحصول على النفط، لذلك نتوصل إلى قناعة أن الولايات المتحدة لن تتخلى عما تهدف طواعية.
ليست سورية بالدولة الوحيدة التي تفتح شهية واشنطن العسكرية، إذ ثمة حالة مشابهة في ليبيا، التي شهدت انقلاباً منظماً أفضى إلى إسقاط القائد الليبي معمر القذافي، ما مكن الولايات المتحدة من الوصول إلى مصادر البلاد الطبيعية، وعقب اغتيال القذافي انهارت الدولة الليبية واندلعت حرب أهلية في البلاد الأمر الذي استغلته واشنطن، وقد كشفت رسائل هيلاري كلنتون الإلكترونية التي سربها موقع ويكيليكس السبب الرئيس لإرسال القوات الأميركية إلى ليبيا والذي يتمثل باستغلال الاحتياطات النفطية الكبيرة الكامنة في البلاد.
في الوقت الراهن، تُحكم البلاد بسلطة مزدوجة، إذ يترأس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج الذي ينفذ الأوامر الأميركية لكنه يلقى معارضة من الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المارشال خليفة حفتر، ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة لن تسمح باستقرار الوضع طالما أنها مستمرة في ضخ النفط، ولذلك تتستر على الصفقات السرية مع الإرهابيين الذين يحظون بدعم حكومة الوفاق الوطني، وعلى سبيل المثال، فإن أحد الوزراء في هذه الحكومة ويدعى فتحي باشاغا، تربطه علاقات وثيقة مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومنها داعش، والقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين فضلاً عن علاقاته مع قوات الردع الخاصة التي يعمل أعضاؤها على الخطف والانتهاك واعتقال الأشخاص بصورة غير قانونية، ففي عام 2006، أدرج اسمه في تقرير أعدته منظمة الأمم المتحدة نظراً لعلاقته بتجارة الرقيق والقتل والتعذيب والخطف، علماً بأن قوات الردع الخاصة التي تعد جزءاً من وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، عمدت إلى خطف عالمين روس بشكل غير قانوني يعملان لصالح (المؤسسة الروسية لحماية القيم الوطنية)، وهما محتجزان الآن في سجن بمطار ميتيجا في طرابلس، كما ويؤكد الواقع أن باشاغا يدعم الإسلاميين في مصراتة إذ ساند هجوماً نفذته داعش على حقول النفط الليبية.
تدعم الولايات المتحدة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، رغم صلاتها بالإرهابيين، علماً أنه لم تعترف سوى 12 دولة فقط من الأمم المتحدة بحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، الأمر الذي يجعلها حكومة غير شرعية، أما النشاط الأميركي في ليبيا فيعود إلى رغبة البيت الأبيض في الحصول على النفط، ففي عام 2011، ساندت واشنطن المتطرفين في ليبيا وآزرتهم في إسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي لكونه رفض تقاسم الموارد الليبية مع الولايات المتحدة.
ثمة دلائل واضحة على مشاركة واشنطن في (تجارة النفط الليبي) الأمر الذي يمكن الاطلاع عليه في مقال حول ناقلة نفط وصلت أوديسيا قبل بضعة أيام محملة بشحنة ضخمة من النفط الخام من ليبيا، وقد حملت تلك الناقلة 81,282 طناً من (الذهب الأسود)، الذي تم نقله بشكل مباشر من ميناء الزاوية في ليبيا إلى أوكرانيا ومن ثم تتولى الولايات المتحدة عملية بيعه هناك.
وغني عن القول أن الولايات المتحدة وعصاباتها العميلة تعمل على نهب الموارد السورية والليبية بوقاحة، تلك الموارد التي تشكل مصدراً رئيساً لهذين البلدين.