معتمدين في ذلك على درجة وقوة الصرخات التي يطلقونها في وجه كل تحرك لمكافحة ظاهرة التهريب وتجفيف منابعه الآسنة الملوثة بكل ما هو غير قانوني وشرعي وصحي واقتصادي.
فتارة تراهم يستجدون عدم الدخول إلى مراكز المدن وأسواقها التجارية، وتارة أخرى يذرفون دموع التماسيح لكون المستهدف «حسب زعمهم» من الحملات التي تقودها المديرية العامة للجمارك هم تجار نصف الجملة والمفرق والمحال والدكاكين والأكشاك، وتارات يتهكمون على حجم المصادرات، وطريقة ضبط المهربات التي يرغبون في جعلها مسبوقة بدعوة رسمية لا فجائية إلى الأهداف المحددة التي تتكدس بداخلها وبشكل مخفي آلاف القطع ومئات الأطنان من المواد المهربة التي تعادل قيمتها وغرامتها عشرات لا مئات الملايين من الليرات، كل ذلك من أجل ألا يدفعوا للدولة رسومها التي يتقاسمها المهرب والمهرب إليه.
أما البعض الآخر فيذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يطالبون بضرب كبار المهربين فقط من دون أن يأتوا لا تلميحاً ولا تصريحاً على الصغار والمتوسطين منهم، وكأن معالجة هذا الملف الاقتصادي والأمني المهم والحساس جداً سيعالج من جذوره بمجرد استهداف شريحة دون أخرى، أو منطقة دون سواها، أو مادة بعينها.
في حين أن جميعنا يعلم كم زبائن هؤلاء المهربين الذين يبرمون صفقاتهم المشبوهة عن سبق إصرار وتصميم مع المخربين لاقتصادنا وتجارتنا وصناعتنا ومنتجنا الوطني، وأمننا الغذائي والاجتماعي والصحي، إن المهربين مجموعات لكل منهم صولتها وجولتها التهريبية الخاصة «مجموعة للأقمشة ـ مجموعة للمواد الغذائية ـ مجموعة للألبسة ـ مجموعة لقطع الغيار والإلكترونيات ..»، ولكل منها تسعيرتها المحددة، وعليه تتم عملية التعاقد التي يغلب عليها طابع السرية المطلقة والمحكمة.
بعد كل هذا وذاك يأتيك من يرتدي ثوب الحداد ويقف على الأطلال للنواح والبكاء على بضاعته المصادرة وتجارته ومصالحه التي تضررت بيده لا بيد أحد سواه، من دون أن يأتي أي منهم على حجم الخسائر الكبيرة والأضرار التي لا تعد ولا تحصى التي تتعرض لها خزينتنا العامة من استنزاف وهدر كبير للمال العام الذي يتم رصده كما كل الواردات للصالح والشأن العام.
وباعتبار أن خير الكلام ما قل ودل، فإننا نؤكد لمن لم يقتنع بعد بأن زيوان البلد أفضل من الحنطة جلب، وأن قرار الدولة بتجفيف منابع التهريب صدر وأفهم علناً.