متناثرة لا تملك من أمرها إلا أن تستسلم لمشيئة المعتدين بل أن تتحول الشعوب إلى قطعان من البشر الذين لا دور لهم ولا هم لهم سوى الاستسلام للواقع القائم وإتقان هذه الصفة الخسيسة القائمة على تقبيل يد الجلاد فيما ينشره هذا الجلاد من مجازر ونهب للثروات وفيما يتطلع إليه من تدمير القواعد الحضارية للأمم وتبديد الحقوق المشروعة للشعوب.
وهنا تقع الفكرة الأساس في البنية الاستعمارية قديمها وحديثها وهنا علينا أن نمسك بالحقائق من جذورها لا أن نتحول إلى مجرد متفرجين وقد طغى عليهم الغثيان وليس لهم إلا أن ينتظروا النجدة الموهومة من تحت السماء وفوق الأرض وللعدوان بأصوله مادتان منهجيتان تؤكد الأولى أنه ما من شيئ يصدر من الفراغ ثم يؤول إلى الفراغ فتلك خاصية هي التي أسهمت في اندثار الحضارات وتحويل الزمن والبشر والحجر إلى مجرد أطلال طغت عليها سافيات الريح، وهنا تتأكد هذه القاعدة عبر الزمن الاستعماري تاريخياً حيث تكمن في جذور المعتدين القواعد المؤسسة لمشاريعهم المتجددة ضد الشعوب المغلوبة على أمرها.
وهنا لا بدّ من أن نذهب باتجاه هذه الجذور السامة لنكتشف بكثير من الشقاء والمرارة أن كل المشاريع الاستعمارية جذرت سياساتها وما زالت تعمل تعميماً وتعديلاً في هذه السياسيات، ولاسيما ضد العرب وقضايا العرب الكبرى، ولا نستطيع أن نعثر على فاصلة خضراء في تاريخ الاستعمار وقد تراكمت عدوانات المعتدين واندفعت من هناك من الجذور لتنتشر كوقائع عسكرية وسياسية وثقافية في كل أنحاء الأرض، وهذا ما يسحبنا مباشرة نحو حدود الوعي الضروري فلا نأمن للغدر والتلاعب بالشعارات والقيم ولا نصدق أن الذين حاولوا إبادة البشرية يمكن لهم أن يكونوا الآن مواقع مهادنة أو سلام مؤقت على الأقل.
إن الجذور المؤسسة وفرت للمعتدين خبرة قهر إرادة أمم الأرض، وزودتهم بالبرامج الحاقدة وفتحت أمامهم منافذ السيطرة ولاسيما بما تمتلكه هذه القوى المعادية من تطور تكنولوجي وما تستند إليه من ضعف في حياة الأمة العربية، ومن هنا تبدو أهمية الرد على المعتدين بما لهم من جذور سامة، وبما حمله التاريخ من تجارب مضنية امتدت إلى عقود وقرون كما هو الحال في الاستعمار العثماني، والاستعمار الغربي الصهيوني عبر مرتكزاته الأوروبية التي بنت جذوتها وبرامجها بالأصل على التمادي على الآخرين واعتبار الكرة الأرضية بما فيها من شعوب وحضارات هي مجرد مساحات وملاحق وحدائق خلفية لتأمين مكونات الهمجية ومستلزمات الاعتداء على الآخرين ولا يتغير هذا الجذر العدواني عن تطبيقاته مع كل مرحلة، لاسيما حينما ندرك الآن أن القوى الهمجية في العالم تمتلك قابلية التجدد وخاصية امتلاك أسلحة جديرة ومناهج جديدة في إدارة مشاريعهم على الآخرين، والوقائع الراهنة تقدم كل الدلائل والمؤشرات التي تؤكد انتماء الإرهاب القائم للجذر الاستعماري الهمجي الناظم والحاكم لهذا العدوان الذي لا ينتهي على وطننا العربي ويتكثف أكثر ما يكون في سورية العربية وطن الخير والسلام والمواقف المشرفة والتضحيات النبيلة.
إن الظاهرة الاستعمارية هي جذور تأتلف وتنمو على موارد الشر ولها أخلاقيات وثقافات تدفع بها نحو الهيجان والانتشار، وفي ذات المنحى لا بدّ أن ندرك بأن كل تجربة عدوانية علينا عبر التاريخ كله إنما هي خطوات ومراحل وكل مقطع فيها يستوعب السابق ويدفع به نحو اللاحق وهم هناك في الغرب والصهيونية يتقنون فن هذه المتوالية ويستمتعون بهذا الترابط العضوي بين مجزرة مضت وأخرى قائمة وثالثة تنتظر دورها للتنفيذ.
إنها مسيرة تكامل الشر سواء في مستواها المعنوي الثقافي والفكري أم في تطبيقاتها عبر المشاريع العسكرية والاقتصادية كما يحدث الآن، وبهذا المعنى فإننا نستدل عليهم من جذورهم المحمومة أولاً ومن تواتر همجيتهم ثانياً وقد أدمنت القوى الاستعمارية منهجية التمادي في العدوان واستباحة مصير الأمم الحية وأدخلت في أدواتها هذا النسق من التقدم التكنولوجي والخداع الإعلامي والسياسي، وهم مازالوا يعتقدون أن الأمة العربية ليس لديها ذاكرة فهي مجرد أفكار ومجموعات تقوم على الانطباع السريع وهنا تقع الفكرة الجهنمية عندهم.