وقد تفرع كل محور إلى عدة عناوين. كانت في موضوع الفن التشكيلي حول الحداثة التي توصف غالباً بأنها التجارب التي خرجت عن قيود الكلاسيكية، والتي تُؤرَّخ أوروبياً بمرحلة الانطباعية مع أن إرهاصات الحداثة كانت قبل ذلك بنحو خمسمئة عام.
ويلفت النظر في مقاطعة الأوراق المُقدَّمة إلى الندوة، مع الواقع الراهن أن تقبُّل الجمهور السوري للحداثة في الشعر كان أرحب، بما لا يقاس، من تقبله للحداثة في الفن التشكيلي، رغم أن الحداثة في الفن التشكيلي السوري تزامنت مع مثيلتها في الشعر. وقد يُفسَر هذا بالتباين الشاسع بين حضور الشعر وحضور الفن التشكيلي في مجتمعنا، وهو أمر يعرفه التشكيليون، حتى أن بعضهم يرى مدخله للجمهور من خلال اعتراف شاعر به، أو تقديمه لمعرضه، وربما لمجمل تجربته. مع أن تجربة التشكيلي الإبداعية قد تكون أثرى وأعمق كثيراً من تجربة الشاعر الذي يقدمها، أو يتبناها.
لكن ذلك التباين الشاسع بين حضور الشعر وحضور الفن التشكيلي يعود في بعض أسبابه إلى التاريخ المحلي لكل منهما. ففي حين يتخطى الشعر العربي في سورية الألف وخمسمئة سنة متواصلة، فإن عمر الفن التشكيلي بمفهومه المعاصر يكاد لا يتخطى المئة سنة، منقطعاً لأكثر من ألف سنة عن إرثه القديم. وحين بدأ فنانو جيل الرواد الأول مغامرتهم التشكيلية الطموحة اتجه تفكيرهم بداية إلى محاكاة ما هو قائم في الغرب، بل وحتى ما تجاوزه الزمن هناك، ولم يتجهوا إلى وصل ما انقطع من تاريخنا الفني، وهو ما حققه إلى حد كبير جيل الحداثة، أو جيل الرواد الثاني، فكانت أمامنا في البدايات تجارب تنتمي إلى الكلاسيكية والواقعية الطبيعية والرومانسية، ومن ثم الانطباعية التي كانت لا تزال مزدهرة في أوربا حتى بدايات القرن الماضي.
لقد أطلق مؤرخو الفن التشكيلي السوري على مجمل التجارب التي بدأت تُعرض للجمهور مع مطالع القرن العشرين تسمية (الفن التشكيلي السوري الحديث)، واعتمد أكثرهم وجهة نظر الناقد الراحل طارق الشريف الذي تحدث عن جيل الريادة وجيل الحداثة. لكن الخلاف ظل مستمراً بين من يرى أن الرائد في الفن التشكيلي السوري هو من بدأ زمنياً، حتى لو كان مُقلداً، أو تقليدياً، وبين من يرى أن الرائد هو من ابتكر أسلوباً أو نهجاً جديداً، تخطى القواعد الكلاسيكية. وبالتالي أضحى هناك ضرورة حديث عن جيل ثانٍ من الرواد، من أجل دقة التوصيف من جهة، ومن أجل تأكيد أهمية الدور الكبير الذي أداه فنانو الجيل الأول، وما تركوا من إرث فني يستحق التقدير، من جهة ثانية.
إن تباين اتجاهات الفنانين وأساليبهم في مرحلة الرواد (الأولى) لم يخرج عن الواقعية التي ظلت مستمرة في الأجيال الفنية المتتالية بأشكال شتى، ويظهر خروج الاتجاهات الفنية عن الواقعية فيما وصفناه بمرحلة الرواد الثانية (مرحلة الحداثة) وترجمت هذه الاتجاهات مفاهيم فكرية تشكيلية تراوحت بين تأصيل الإبداع التشكيلي عن طريق استلهام موروثه الفني والفكري من مختلف المراحل التاريخية، وتوثيق صلته بعصره.
ومع وفرة تجارب الحداثة في الفن التشكيلي السوري المعاصر فإن الاتجاهات الواقعية لم تفقد أهميتها وحضورها المؤثر، ربما لأنها لا تزال الأقدر على الوصول إلى الجمهور، بحكم طبيعة تكوين هذا الجمهور.