بأنها إجراءات اشتراكية كحل وحيد للأزمة, وإذا كان هذا الاستنتاج صحيحاً من حيث المبدأ, إلا أن ما يقصده هؤلاء المحللون هو ضرورة تدخل الدولة لإنقاذ الاقتصاد الرأسمالي من الانهيار التام ولكن أهمية دور الدولة مرتبط بطبيعتها وهي في الحالة الراهنة. دولة رأسمالية تعمل لإنقاذ نفسها وليس لفرض البديل الاشتراكي,
كما يعتقد البعض بعد أزمة الكساد العظيم عام 1929 اعتمدت الرأسمالية على مبد )الكنزي ( التي تقوم على تدخل كثيف وصريح للدولة في السوق ثم افضت الأزمة إلى إنتاج النازية في ألمانيا كحل قسري عسكري وعدواني وافتعال الحرب العالمية الثانية التي استخدمت فيها سلطة الدولة ومواردها في الحرب لإنعاش الرأسمالية بوسائل حربية, ولاحقاً حقن أوروبا بالمال لإعادة إعمارها كدول رأسمالية احتكارية.
إن جوهر الاقتصاد النيوليبرالي يقوم على كبح تدخل الدولة في الاقتصاد الفعلي وفصل العرض عن الطلب وفصل الطلب عن القوة الشرائية, ما أدى إلى خلق عروض خدمية ومالية وعقارية واستشارية ليست مطلوبة في السوق اعتقاداً من منظري هذا الاتجاه بأن العرض يولد الطلب وليس العكس وهو ابتعاد عن أحد قوانين الرأسمالية الهامة جداً , وقد روج لهذا التوجه الإعلام والإعلانات المقدمة بتقنيات حديثة جداً, ولكن لم ينتبه هؤلاء إلى أن تمويل المشاريع الافتراضية لم تعبر عن احتياجات المجتمع الفعلية, فأدى ذلك إلى شرخ بين العرض والطلب, وتقدمت إلى الواجهة الأجهزة المصرفية فقدمت التسهيلات المالية للمستثمرين دون وجود ضمانات فعلية للاستثمار الناجع بفعل النشاط الاستثماري الذي أصبح أوسع بكثير من الطلب الواقعي, وبدأت منح القروض والبطاقات المالية لأي كان دون قيود بل دون دراسة العلاقة الواقعية بين سحب القروض والقدرة على سدادها, وبدأت ملامح أزمة الدفع لسد الديون تظهر شيئاً فشيئاً .
وعوضاً عن التنبه إلى مخاطرها ذهبت إدارة بوش الممثلة للمحافظين الجدد معظمهم من أصول تروتسكية مغامرة وعقليتهم المتطرفة بتصعيد الاقتصاد الافتراضي دون حدود فلجؤوا إلى مقولات فكرية متطرفة مثل صدام الحضارات و القيم الإنسانية العامة ومحاربة الإرهاب ومن ثم بعد أحداث 11 أيلول البدء باستخدام القوة المسلحة في حرب مفتوحة دون التفكير بعواقبها تدمير يوغوسلافيا وتفكيكها احتلال أفغانستان ومن ثم العراق ومن ثم تأجيج الأزمات في الكثير من بقاع العالم فلسطين , لبنان, جورجيا, باكستان إلى جانب تمويل ما يسمى الثورات الملونة لفرض الأنظمة الليبرالية الجديدة والهيمنة الأميركية عليها والأمل في الهيمنة على العالم, ولكن هذا الانقلاب على الرأسمالية الكنزية الملطخة بدماء الشعوب أدت إلى فشل هذه السياسة ولم تفلح الولايات المتحدة في تعويض الخسائر الفادحة لاقتصاياتها الافتراضية, وكانت أزمة النمور الآسيوية إرهاصات جدية لأزمة الليبرالية الاقتصادية الأميركية وعولمتها المتوحشة, وذهبت أرباح الحروب من عائدات النفط وبيع السلاح إلى جيوب الشركات العملاقة الاحتكارية.
بينما دفعت الشعوب بمن فيها الأميركي ثمن الحروب الباهظة وتعرت مخاطر الاقتصاد المالي الافتراضي الذي ابتعد عن الاقتصاد الإنتاجي الفعلي فعمت المضاربات في الأسواق وخاصة في سوق العقارات فارتفعت الأسعار بشكل جنوني لجميع السلع والمواد الخام والطبابة والتعليم الخ ولتفادي الانهيار حاولت الحكومة الأميركية ضخ المئات من مليارات الدولارات في البنوك والمصارف المركزية العالمية تفادياً من الإفلاس والانهيار الشامل على المستوى العالمي, ولأول مرة يجيز النظام الرأسمالي تدخل الحكومة بشكل شامل لإنقاذ السوق المالية المتدهورة تحت وطأة الأزمة, وهذا التدخل بالذات ذهب البعض إلى وصفه بالإجراءات )الاشتراكية( أو العودة إلى الشيوعية اعتماداً إلى ما قامت به بعض الحكومات ومنها الأميركية بما يشبه التأميم ولكن الخطأ في هذا الوصف أنهم خلطوا بين تحليل ماركس حول حتمية الأزمة الرأسمالية وضرورة تخطيها القوة بالثورة الاشتراكية على يد الطبقة العاملة وحلفائها وتشييد النظام الاشتراكي القائم على أساس جوهري وهو إلغاء الملكية الرأسمالية وتحويلها إلى ملكية اجتماعية بهدف إزالة الفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع الواحد, بينما نلاحظ اليوم أن هذه الفوارق تتعمق أكثر فأكثر وتعاني شرائح جديدة في المجتمع العالمي الرأسمالي مزيداً من الإملاق والفقر وحتى الجوع مثلاً بسبب الأزمة فقد خمسون مليون أميركي بطاقات الائتمان الصحي بسبب فقدانهم لمدخراتهم في المصارف الرأسمالية الصغيرة, وفقد الملايين بطاقات الائتمان التعليمي لنفس السبب ما حرم الملايين من الخدمات الصحية والتعليمية, وهناك الملايين يعانون الجوع الحقيقي في بعض الولايات الأميركية المهمشة مثلاً آريزونا وغيرها , لقد حلل ماركس في حينه الأزمة الرأسمالية وحتميتها استناداً إلى تحليله العلمي بأن الرأسمالية سوف تتخطى بالضرورة إطارها القومي لتمتد إلى المستوى العالمي وهو ما نطلق عليه اليوم العولمة وتحدث عن النهب )الربح( غير المحدود لدى رأس المال وميل رأس المال إلى تلك القطاعات الأكثر ربحية, وهو الذي اكتشف قانون التناقض بين قوى الإنتاج والملكية الرأسمالية والتناقض بين الإنتاج والاستهلاك وقانون فيض الإنتاج والكساد وهو السبب الأبرز في الأزمة المالية الحالية, وتحدث ماركس ولينين بعده عن ميل رأس المال الدائم للانتقال من الإنتاج المادي إلى دائرة المضاربات المالية في البورصات, واعتبر لينين هذه الظاهرة من خصائص الرأسمالية في مرحلتها الاحتكارية )الامبريالية( الأخيرة بوصفها )أعلى مراحل الرأسمالية لذلك قبل نضوج العامل الثوري لانقلاب الاشتراكية على الرأسمالية ستجد هذه الأخيرة السبل لتخطي أزمتها على حساب الجماهير العاملة وستتكرر أزمتها الدورية دائماً حتى انتصار الاشتراكية.