وليس في عالمنا العربي وأمتنا الإسلامية فقط, فلم نشهد أسوأ من تلك السنوات في عمر العلاقات العربية والإسلامية مع الولايات المتحدة, بعد انقلاب المحافظين الجدد على كل ما تعارف عليه المجتمع الدولي من مبادىء ومواثيق, جرى التوافق عليها كمرجعية حاكمة للشرعية الدولية, منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945,و بأن الحرب لم تعد خياراً مقبولاً ولامحتملاً, في ضوء ماخلفته من دمار اقتصادي رهيب, وخسائر بشرية راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر.. هكذا عاش العالم حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي, لكن بعد أن بدأت إشارات تحلل وتفكك الاتحاد السوفييتي, وسقوط حائط برلين, وانهيار المنظومة الشيوعية, وانفراط عقد حلف وارسو.. غاب التوازن الدولي, الذي كان يسمح للمجتمع الدولي بتجنب خيارات الحرب الواسعة, ورغم أنه لم يكن هناك سلام آمن, ولكن كان هناك مايمكن وصفه بسلام الرعب, فالحرب الباردة كانت على أشدها, والخوف والذعر والهلع يسيطر على الجميع من أي خطأ غير محسوب, ربما يؤدي لانطلاق الصواريخ عابرة القارات المحملة بالرؤوس النووية, لكي تعلن قيام القيامة ونهاية الدنيا.
ولكن مع سقوط الاتحاد السوفييتي, وما أعقبه من تدشين عملي على أرض الواقع لبدايات نظام عالمي جديد, تمثل في حرب الخليج الثانية, وتشكل أضخم تحالف دولي بعد الحرب العالمية الثانية, من أجل تحرير الكويت وتدمير الترسانة العسكرية العراقية تدميراً شاملاً, لتكون درساً وعبرة لكل من تسول له نفسه محاولة الخروج عن الحدود التي تسمح بها أميركا التي بدأت تتربع وحدها على قمة النظام العالمي الجديد.
لقدكان من أهم وأخطر نتائج هذه الحرب أنها أسقطت من العقل الغربي خطر احتمال خسارة الحرب, وأفرزت إحساساً يقينياً جديداً بأن الحرب أصبحت مضمونة النتائج, ومحتملة الخسائر, قياساً على الحسابات الإحصائية التي أكدت أن هذه الحرب الشرسة لم تكلف قوات التحالف الدولي, منذ بدايتها حتى نهايتها, أكثر من ستمئة جندي, في حين قتل من الجيش العراقي قرابة مئة ألف جندي.
وهكذا انفتحت الشهية مرة أخرى لإمكان الرهان على خيار الحرب, طالما أن التقدم التكنولوجي الذي أحرزته أميركا في مجال التسليح يسمح بحرية العمل العسكري, دون خوف من الخسائر البشرية, التي تمثل أقوى عناصر ضغط الرأي العام على أي إدارة أميركية, في ضوء تجربة الحرب الفيتنامية خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي.
لقد خرج الأميركيون من هذه الحرب بنتيجة مهمة وهي أن الحروب يمكن كسبها, دون حاجة لحشد مئات الألوف من الجند, وأن القنبلة الموجهة والصاروخ المبرمج يمكن لهما- وعن بعد- إصابة أهدافهما بدقة متناهية, لاتوفر مجالاً واسعا ًللمقاومة.
وكانت هذه الاستنتاجات البذرة التي هيأت ل )المحافظين الجدد( فرصة الشروع في تحطيم قواعد القانون الدولي وحق اللجوء إلى الضربات الاستباقية وتحولت خريطة العالم إلى رهينة تحت رحمة جبروت القوة الأميركية, وكان لأمتنا العربية والإسلامية النصيب الأوفر من التحامل والترصد والابتزاز, واستخدام كل وسائل الانتقام وتصفية الحسابات.
بل إن كل بؤر الصراع في منطقة الشرق الأوسط, أصبحت بسبب المخطط الأميركي تؤثر في بعضها البعض, وفق مخطط محسوب, بحيث يجري إشعال النيران في منطقة معينة, أحياناً لخدمة هدف تخفيف الضغوط في إحدى ساحات الصراع, وفي أحيان أخرى لجذب انتباه المنطقة بأسرها, بعيداًعن ساحة العمل الرئيسية في مرحلة بعينها, فالمهم هو أن هناك هدفاً استراتيجياً يرتبط بأهداف واشنطن الرامية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط, والتي تحطمت على صخرة المقاومة في المنطقة, وخاصة أن أميركا لم تعد تخفي دعمها المطلق لإسرائيل, ليس لأنها ملتزمة بضمان أمن إسرائيل فحسب, وإنما هي معنية بدعم ماتراه الدولة الصهيونية ضرورياً لضمان الحفاظ على وجودها, كدولة يهودية تتفوق على كل جيرانها, بصرف النظر عن مطابقة هذه المطامع الإسرائيلية للقانون الدولي, ومقررات الشرعية الدولية ذات الصلة.
لكن يظل السؤال المهم وهو: لماذا لايزال بعضنا يراهن على أميركا?.
سؤال يبدو غريباً ومستهجناً في هذه الأيام, التي تزدحم فيها المقالات والتعليقات في الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد, والتي تقوم بتعرية أميركا, حتى من جلدها, وتعتبرها الصيغة الجديدة للاستعمار بصورة أخرى.
ويبقى السؤال الأهم: هل تظل السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط كما هي من دون تغيير, لتزداد كراهية العرب والمسلمين لأميركا أكثر وأكثر, أم تحسين أميركا من سياستها في منطقتنا, في محاولة لتغيير هذه الصورة السلبية عنها في بلادنا?!!.
الإجابة عن هذا السؤال شبه محسومة, وهي أننا لن نشهد تغيراً ملموساً في هذه السياسة, سواء اعتلى الديمقراطيون أم الجمهوريون مقاليد الحكم في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع القادمة على الأقل, وهو ما تأكد تماماً من خلال برنامجي أوباما وماكين مرشحا الرئاسة الأميركية خلال الشهور الأخيرة.
كاتب وصحفي مصري