تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأزمة المالية ومستقبل الامبراطورية الأمريكية

مصارف و تأمين
الأثنين 27/10/2008
د.محمد توفيق سماق

في سياق الحديث عن نتائج الأزمة المالية ومنعكساتها على الولايات المتحدة الامريكية ذهب البعض من المحللين والدارسين الى الاستنتاج بأن من نتائج الازمة المالية دخول الولايات المتحدة كدولة في طور التفكك ويسوقون لدعم استنتاجهم هذا عددا من المبررات , منها:

1- الحجم الكبير للدين العام في امريكا الذي وصل حسب بعض التقديرات الى نحو 11 تريليون دولار امريكي (11000 مليار دولار) يشكل نحو 79% من الناتج المحلي الامريكي في عام 2007, وتعتبر هذه النسبة مرتفعة جدا حتى بمقاييس دول الجنوب المدينة حيث بلغت 62% في الارجنتين و 47% في تركيا و 43% في البرازيل. تلك البيانات تدل على الوضع المتردي للاقتصاد الامريكي وهذا ما وصل اليه حال الاقتصاد في الاتحاد السوفييتي السابق في فترة الثمانينات من القرن الماضي اي قبيل الانهيار .‏‏

2- الازمة المالية الحالية التي ستزيد من سوء الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة الامريكية وتدفع الى بروز التناقضات العرقية وربما المذهبية في المجتمع الامريكي لاسيما انه خليط من المستوطنين الاوائل ذوي الاعراق الاوروبية في معظمهم ثم اجيال لاحقة من المهاجرين ذوي اصول عرقية متعددة ومتنوعة انتجتها كل امم العالم تقريبا.‏‏

3- الفشل العسكري في العراق وافغانستان الذي قد يتحول الى هزيمة تسقط الهيبة العسكرية الامريكية وتغير موازين القوى في العالم وتحرض على المراجعة وتدفع الى بروز تناقضات الداخل, وهذا ما حصل للاتحاد السوفيتي بعد هزيمته في افغانستان. بالاضافة الى ما سبق يورد اصحاب مقولة تفكك الامبراطورية شواهد اخرى تهدد السلم الاهلي في الداخل الامريكي( حدة الفرز الطبقي- تدني مستوى التأمين الصحي- ازدياد معدلات البطالة بتأثير الازمة المالية... وغير ذلك).‏‏

لكن وبصرف النظر عن عدد الشواهد وصلاحيتها ارى ان مقولة تفكك الامبراطورية الامريكية الآن هي مقولة غير صحيحة تعكس رغبة اصحابها, ولا تعكس حقائق الواقع. صحيح ان الدين الحكومي الامريكي كبير حجما ونسبة, ذلك سيؤثر سلبا على الدور العالمي للولايات المتحدة الامريكية لكن يصعب اعتباره سببا مقنعا لانفجار التناقضات الداخلية وتفكك الدولة. فلا زال الاقتصاد الامريكي بالرغم من كل مشاكله يشكل نحو 25% من الاقتصاد العالمي ويمتلك اكبر قدرة علمية وارقى مستوى تكنولوجي في العالم مما يجعله قادرا على الانتاج واعادة الانتاج وتوليد القيمة المضافة بمعدلات عالية ووتائر متسارعة, ويكفي ان نتذكر الماضي القريب في فترة الرئيس كلينتون حيث انتقلت امريكا من العجز الى الفائض.‏‏

كما ان دولاً اخرى عديدة اصغر حجما من امريكا واقل تطورا استطاعت التعامل مع ديونها الداخلية ومديونيتها الخارجية وحافظت في الوقت نفسه على توازن مجتمعاتها وتماسك مؤسساتها , كما ان الولايات المتحدة نفسها قد مرت بأزمة مشابهة عام 1929 وبعد ذلك بنحو عقد دخلت الحرب العالمية الثانية حيث اعلنت الحرب على اليابان وألمانيا وكانت من المنتصرين.‏‏

اما الهزيمة العسكرية المتوقعة في العراق وافغانستان فحتى لو هزمت امريكا فعلا فالارجح ان ذلك لن يقود الى اهتزاز توازن المجتمع واستقراره من الداخل بحيث يؤدي الى تفكك الدولة. فأمريكا هزمت في فيتنام اوائل سبعينيات القرن الماضي وما حصل بعد ذلك هو انها انكفأت عسكريا فلم تدخل في مواجهة عسكرية خارجية كبيرة حتى حرب الخليج عام 1991, إلا ان الدولة لم تنهار وامريكا لم تتفكك.‏‏

اغلب الظن ان الازمة المالية الحالية ستنعكس سلبا على الدور العالمي للامبراطورية في مجالات عديدة اقتصادية عسكرية وحتى ايديولوجية.‏‏

- اقتصادياً بسبب ما هو متوقع من دخول الاقتصاد الامريكي في مرحلة من الركود تؤثر على حيويته وادائه.‏‏

- وعسكرياً لتراجع قدرة الخزينة الامريكية على تمويل الحروب والمغامرات العسكرية الخارجية.‏‏

- كذلك ايديولوجيا لاهتزاز الثقة بالنمط الاقتصادي الامريكي, نمط اقتصاد السوق الحر واستقالة الدولة من دورها الاقتصادي . ففي الازمة الحالية اضطرت مؤسسات الدولة الامريكية الى التدخل فلعبت خزينتها ومصرفها المركزي ( او ما يسمى الاحتياطي الفيدرالي) دور المنقذ والاطفائي لما سببه الزلزال المالي من خراب وانهيارات , وهي التي صمت الآذان بضجيج مطالبتها لدول العالم( خاصة دول الجنوب) للانسحاب من الحياة الاقتصادية وترك المجتمع لما سمي باليد الخفية التي تكفل توازنه واستقراره. اعتقد ان ايديولوجيا كهذه يصعب بعد هذا كله تسويقها حتى لدى زبائن الولايات المتحدة وادواتها في دول الجنوب .‏‏

اذا اضفنا لكل ما سبق السقوط الاخلاقي للسياسة الامريكية والذي شكل سجن غوانتنامو وسجن ابو غريب بعضاً من علاقاته البارزة لنا ان نتوقع تراجع الدور العالمي للولايات المتحدة الامريكية دون ان يقود ذلك البعض الى الافراط في التفاؤل فيراهنون على تفكيك الدولة وسقوط الامبراطورية .‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية