تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الوطن السوري

منوعات
الثلاثاء 3-6-2014
سعد القاسم

يلحُّ عليَّ منذ بضعة أيام شريط مصور نشرته إحدى الجماعات المسلحة التي تقاتل في سورية، عن أسراها من جماعة مسلحة منافسة تشترك معها بـ (الأفكار) وتختلف، حتى أقصى العداء الدموي، بالمصالح،والارتباطات، وغنائم ما فوق الأرض وتحتها..

يحرص المستجوب، خلف الكاميرا، على سؤال كل واحد من الأسرى عن جنسيته ويجيبون على التوالي: جزائري وتونسي ومغربي، فتطلق الإجابات في الذاكرة عدداً هائلاً من الصور والحكايات والذكريات الشخصية المرتبطة بكل من هذه البلدان، وبالناس الذين جاؤوا منها إلى سورية زائرين حظوا برحابة استقبال أهلها، وحسن معاشرهم،وطيب الإقامة بينهم، فنقلوا إلى بلادهم، حين عادوا لها، هذه الصورة المضيئة عن بلدنا وناسها، والتقط طيفها كل سوري زار بلاد المغرب العربي حين استمع إلى كلمات الإطراء عن السوريين، وتعبيرات المحبة لهم..‏

كسوري ترتبط كلمة جزائري بذاكرتك القريبة بثورتها الملحمية ضد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي، وبـ (قسماً بالساحقات الماحقات) الذي كان يهز وجدانك كلما سمعته، أو أنشدته بحماسة منقطعة النظير مع زملائك في المدرسة.. أما ذاكرتك العميقة فهي مشغولة باسم الأمير عبد القادر الجزائري الذي أراده المستعمرون الفرنسيون أن يكون في منفى، فاختار أن يكون في وطن آخر ، وكرسه السوريون زعيماً تقديراً لبطولاته، فتوجها بتصديه ورجاله لفتنة 1860 البغيضة حين أشعلها المحتل العثماني في دمشق، بتواطؤ، غير معلن، مع الطامعين البريطانيين والفرنسيين..‏

ولن تجد في عيني التونسي الأسير تلك النظرة المحبة التي لحظتها في عيون التوانسة حين يعرفون أنك سوري وأنت تتجول بين أسواق عاصمتهم القديمة، وشوارعها، ولا تلك النظرات المفعمة بالمشاعر الطيبة التي خبرتها جيداً في عيون سينمائيين ومسرحيين ومصورين تونسيين عاشوا طويلاً في سورية، واصطحبوا حين عودتهم إلى تونس حبهم لها ولأهلها، تفصح عنه كتابتهم العابقة عشقاً ووفاءً،على أوراق الصحف ومواقع الانترنيت..‏

ولا تستطيع وأنت ترقب، بمشاعر متداخلة، نظرات الرعب في عيون أسير مغربي يطلقها إدراكه لما ينتظره على يد آسريه، إلا أن تستذكر صورة نقيضه عمرها يتخطى الأربعين سنة لجنود مغاربة يقاتلون ببسالة ضد العدو الصهيوني على جبهة الجولان مع أشقائهم السوريين، ثم يتجولون بفخر برفقتهم في شوارع دمشق محاطين بمحبة أهلها الحريصين على حفظ الجميل، وذكرى تلك الأيام المجيدة، بإطلاق اسم (التجريدة المغربية) على واحدة من أهم ساحات مدينتهم..‏

صحيح أن الصورة لم تكن دائماً بهذا الإشراق، فمقابل ما سبق وجد دائماً من لم يدرك روعة الخصوصية السورية، ورحابة المجتمع السوري، كما هو حال وزير قدم من المغرب عام 1300م وما كان قادراَ على فهم ما يصح أن نصفه بحالة المواطنة في المجتمع السوري، فانتقد بشدة ما اعتبره حرية زائدة يتمتع بها المسيحيون واليهود، كارتدائهم لأفخر الثياب، واستخدامهم في أجلِ المناصب،إلى أن نجح باستصدار قرارات من الحاكم المملوكي تحد من حريتهم الدينية والمدنية، وتنتقص من حقوقهم الإنسانية، وتلزمهم بأشكال تمييزية محددة من الملابس، وتحرمهم الكثير من حقوقهم كمواطنين في الدولة..‏

وحتى اليوم يوجد في المحيط، القريب والأبعد، للوطن السوري من لا يستوعب جوهر تنوع المجتمع السوري، ولا يدرك أنه سر غناه وحيويته وتميزه، وليست المشكلة هنا فحسب، وإنما في سعي هؤلاء لفرض مفاهيمهم المنغلقة على مجتمع منفتح منذ أكثر من عشرة آلاف سنة..‏

وقد لا يكون مهماً أن يستوعبوا أو يدركوا بقدر أهمية أن يفعل السوريون، كل السوريين، ذلك..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية