فتحاول أطراف التآمر والعدوان التهرب من تبني الهزيمة التي بدأت آثارها بالتبلور والظهور وعلى شتى الصعد السياسية والاجتماعية والدبلوماسية والعسكرية إقليمياً ودولياً، وهذا يعني أن كل الآمال والأوهام والأحلام والتمنيات التي تم تسويقها منذ أكثر من ثلاث سنوات على أنها قدر لا مفر منه قد تبددت تحت أضواء شمس الحقيقة السورية الساطعة بكل ألوان طيف العزة والقدرة والمصداقية والصمود بعوامله الذاتية والموضوعية التي فضحت حقيقة الإرهاب العالمي المُصَدَّر إلى سورية، وما يحمله من تحديات وتهديدات وأخطار يخيم شبحها على الجميع دونما استثناء، مما أرغم الراكبين في القطار الصهيو ـ أمريكي على نزع الأقنعة والكشف الإلزامي عن التنسيق المحكم والمسبق، وتوزيع الأدوار بين بعضهم بعضاً للتخفيف من وطأة الخسارة الاستراتيجية التي مني بها مشروع الهيمنة وبسط النفوذ والسيطرة بعد ارتطامه بالصخرة السورية وتقويض روافعه الأساسية بسواعد أبناء سورية شعباً وجيشاً وقيادة، وهنا بدأنا نلمس التمايز في ردود الأفعال بما ينسجم والقدرات الذاتية لكل طرف، ومن الطبيعي أن ردة الفعل الأقوى ستكون من الطرف الأضعف لأنه على يقين أن بقية الأطراف التي كان يعمل معها لن تفوت الفرصة في تحميله المسؤولية الكاملة عن الإخفاق، وأن الأطراف الأقوى تستطيع التأقلم مع الواقع الجديد عبر البراغماتية المعهودة كسمة ملازمة لسياسة المايسترو الذي يقود جوقة العدوان، ويجيد الهروب إلى الأمام بافتعال أزمات جديدة ودحرجتها على أكبر قدر ممكن من الجغرافيا الكونية لخلط الأوراق من جديد ومحاولة العودة إلى المربع الأول كلما اقتربت لحظة الحسم في أي معركة من معارك هذه الحرب المفتوحة.
أمام هذا الواقع الجديد المتشكل من رحم الصمود السوري وما يتضمنه من تداعيات حتمية تفرض تحميل مسؤولية الهزيمة الاستراتيجية لأطراف محددة يتم التضحية بها لضمان استمرارية المشروع بعد إجراء التعديلات المطلوبة يمكن تفهم حالة الهستيريا التي أصابت الأدوات والأزلام والحلفاء والمشغلين بآن معاً، لأن تحميل المسؤولية لطرف محدد، أو لعدة أطراف وتركها تواجه مصيرها لا يعني عودة الحياة للمشروع التفتيتي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وهناك من يرى أنه أصبح جثة بلا روح، ولعل هذه الحقيقة هي التي تفسر انضمام بلاد العم سام وحكام تل أبيب إلى جوقة التخبط وردود الأفعال الطائشة وغير المحسوبة، فبقدرة قادر تتحول العلاقات السرية بين الكيان الصهيوني ومشيخات النفط إلى مادة إعلامية يتشدق بها بنيامين نتنياهو ويوجه شكره الخاص لقناة الجزيرة والعاملين فيها على الجهود المضنية المبذولة لشق الصف العربي وخدمة أهداف تل أبيب، ويؤكد المصالح المشتركة في السياسة والأمن والاقتصاد بين كيانه وبين حكام مملكة الرمال، وكذلك الأمر بالنسبة لإدارة أوباما التي أعلنت دعمها للعصابات الإرهابية المسلحة على الرغم من أنها مصنفة وفق القانون الأمريكي على لوائح الإرهاب العالمي، وكذلك محاربة الديمقراطية التي تدعي الإدارات الأمريكية أنها حاميتها والمسؤولة عن تعميمها في العالم كله، فها هي تنقض كل مواقفها وتصريحاتها الداعمة للديمقراطية وتحاول التشويش على الانتخابات الرئاسية في سورية لمنع الشعب العربي السوري من ممارسة حقه الديمقراطي في اختيار من يريد عبر صناديق الاقتراع لكن هيهات هيهات..
والسؤال الموضوعي الذي يطرح نفسه هنا هو: هل واشنطن حريصة فعلاً على تعميم الديمقراطية؟ وإذا كان جواب فرق الكومبارس الهوليودي بنعم، فأي ديمقراطية تلك التي تسعى الإدارات الأمريكية لفرضها؟وكيف يمكن الاقتناع بأنها تهتم بحقوق الشعوب وبالديمقراطية في الوقت الذي تتعاون فيه مع أنظمة جاهلية تحتكم إلى قطع الرؤوس بالسيف في القرن الحادي والعشرين؟ وهل لعاقل في الكون أن يقتنع بأن الأسر الأوليغارشية في الخليج مهتمة بمساعدة الشعوب على بلوغ الديمقراطية في الوقت الذي يعجز فيه ملوك وأمراء تلك الأسر عن القراءة الصحيحة لكلمة ديمقراطية!!!
باختصار شديد يمكن القول: إن العجز المزمن عن تمرير مشروع التفتيت والتشظي في سورية قد أصاب أطراف التآمر والعدوان في مقتل، وهذا هو سر الارتباك والتخبط والمناورة والمداورة والمراوغة والتسويف للتغطية على ذاك العجز المركب عن تحقيق أي هدف من الأهداف الاستراتيجية لحربهم المفتوحة منذ أكثر من ثلاث سنوات، فلا هم استطاعوا زحزحة سورية عن مواقفها وثوابتها الوطنية والقومية المشرفة، ولا هم نجحوا في تفتيتها أو تحييدها على الأقل، كما أنهم لم يتمكنوا من إرغامها على تبديل اصطفافها المقاوم، بل ازداد هذا الاصطفاف بلورة وعمقاً واتساعا، أي أنه تجذر أكثر فأكثر عمودياً وأفقياً، وخلق اصطفافات جيوبوليتيكية جديدة ترتكز إلى صمود سورية والمحور المقاوم الذي ترك آثاراً ارتدادية مكّنت الشعب العربي في مصر من استرداد زمام المبادرة من جديد، وهيأت البيئة الإقليمية والدولية للتسليم بأن الإرادة الصهيو ـ أمريكية ليست قدراً لا مفر منه، بل مشروع يمكن مواجهته وإلحاق الهزيمة به، وفتح أبواب المستقبل مشرعة أمام إرادة الشعوب بعيداً عن التبعية المذلة والقبول بأدوار وظيفية تتناقض والمصالح الوطنية للشعوب.
من كل ما تقدم يمكن القول بمنتهى الاطمئنان: إنه من حق الشعب العربي السوري الذي قدم التضحيات والدماء والأرواح أن يضع اللمسات الأخيرة على الانتصار الاستراتيجي الذي أحرزه ، ومن حقه وواجبه أن يحصن سيادته الوطنية وقراره المستقل بانتخاب من يريد لقيادة سفينة الوطن إلى شاطئ الأمن والسلام والتقدم والازدهار، ولا شك أن إتمام معركته السياسية بالتوجه إل صناديق الاقتراع لقول كلمته لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية التي يخوضها جيشه الباسل مسطراً أروع ملاحم الرجولة والبطولة والانتماء الوطني الخالص، وهذه الإنجازات الميدانية المتدحرجة والمبرهنة على قدرة فائقة على الحسم وتخليص الوطن من لوثة الإرهاب والإرهابيين لا تكتمل إلا بقبول التحدي الذي فرضته أطراف التآمر والعدوان الساعية بشتى السبل للتشويش على الانتخابات الرئاسية ومحاولة منع حدوثها بأي شكل من الأشكال، وهنا لابد من تذكير أولئك بأن الشعب العربي السوري الذي قوض أركان مشروعهم التفتيتي هو اليوم أكثر تصميماً على تجسيد إرادته وممارسة حقه وواجبه في تحديد حاضر الوطن ومستقبله، يقيناً منه أن تكامل الإنجازات الميدانية والسياسية هو المعادل الموضوعي والرافعة الأساسية لاستكمال متطلبات النصر الحتمي الذي لا يمكن لمواطن سوري شريف التفريط به أو المساومة عليه.