لقد تم الربط بين لفظتي مهمة ومسؤولية، وهذا الربط يحيلنا على فالتر بنيامين وعلى نصه الموسوم بـ/مهمة المترجم/ ورغم أن السياق الذي تندرج فيه أطروحة هذا المفكر يتمحور حول العلاقة الحميمية بين اللغات وحول اللغة الخالصة وعلاقة الترجمة بالحقيقة، وهو مالايسمح سياقنا بمجاراته، إلا أن لفظة مهمة تحيل على لفظة حل وبمعنى أن مهمة المترجم تحدد في مواجهة مشكلة يجب حلها، وبهذا المعنى نتحدث عن مسؤولية المترجم، وعن رهاناته المعرفية والسياسية.
فعلى المستوى المعرفي هناك حاجة ماسة للاطلاع على مفاهيم وقضايا الحداثة السياسية، ويجب أن تكون هذه العملية انتقائية حتى تستجيب لمنتظرات مجتمعاتنا.
وعلى المستوى السياسي تتجلى أهمية ترجمة قضايا الحداثة السياسية في تحديد مسؤوليات رجل السياسة، وفي رسم التوجهات التي يمكن للفاعلين في الحقل السياسي والمجتمعي الاستئناس بها، إذ لايمكن للخطاب السياسي أن يتسم بالمصداقية دون الارتكاز على المعرفة...
هكذا فإن علاقة المترجم بالسياسي لن تكون أقل أهمية من علاقة الفيلسوف أو العالم بالسياسي رغم اختلاف المواقع والسياسات وسواء تعلق الأمر بمسؤولية معرفية أو سياسية، فإن مهمة المترجم لن تكون ذات فعالية مالم تكن مدعمة بمؤسسات الترجمة المقتنعة بضرورة انفتاح مجتمعاتنا على الحداثة السياسية والفكرية عموماً كشرط للتقدم الاجتماعي ولعودة الثقة بين الشعوب والسلطات والنخب السياسية وأيضاً لعودة روح المواطنة المؤمنة بالمصلحة، وبالتالي: لسيادة قيم التعاون والتشارك والتسامح بدل قيم الأنانية والنفعية والزبونية والتعصب.
إن مسألة الترجمة وتحديداً ترجمة الفكر السياسي الحديث والمعاصر لاتنفصل عن المسألتين الثقافية والسياسية...
Yomn.abbas@gmail.com