لا يمكن، وفق أي حال من الأحوال، تجاهلها، لكن عدسة هذا الفنان الذي رحل في السادس والعشرين من حزيران الماضي عن 82 عاماً، أرّخت لزمن باهر بالأسود والأبيض كانت مونرو تشكل إحدى مشاهده وليس المشهد برمته.
الجمهور العربي تعرف على لمسات ستيرن الفوتوغرافية بداية عام 2013، عندما أقيم في دبي معرض لصوره التي التقطها لمارلين مونرو تحديداً. تحركت عدسة هذا الفنان في شهر حزيران عام 1962 دون أن تدرك أنها ستكون آخر الصناديق التي تقف أمام المرأة المذهلة، فبعدها بستة أسابيع اختارت مونرو أو «قطعة الحلوى» خيار الموت لحياتها!
الجلسة الأخيرة
ما الذي كان يفكر به ستيرن وهو مشغول بزوايا عدسته، فيما تقف أمامه النجمة عارية تماماً وكأنها تسفح الحليب على جسدها؟ لقد التقط 2600 صورة للنجمة الأميركية خلال ثلاث جلسات تصوير في فندق «بيل آر» في لوس أنجلوس، الأمر الذي دفع مجلة «فوغ» إلى تسميتها «الجلسة الأخيرة» في إشارة إلى موت مونرو بعدها. جُمعت الصور ونشرت في كتاب بعنوان «الجلسة الأخيرة» عام 1982، ثم أعيد طبعه عام 2000. وتم بيع مجموعة من تلك الصور بمبلغ 150 ألف دولار في مزاد عام 2008. تنبض صور ستيرن بحيوية مشرقة وجاذبية نادرة، «كيف تسنى لمونرو أن تجمع كل هذه الحيوية، فيما كان الموت على بعد أيام منها؟» كانت المرة الأولى التي تسمح فيها النجمة لمصوّر بأن يلتقط لها مثل هذا العدد من الصور الحميمة، فكشفت العدسة في الصور الفنية العارية عن الوجه الحقيقي للمرأة الضعيفة والوحيدة التي كانت ستموت بشكل مأساوي بعد أسابيع.
حرير شنغهاي
يتذكر ستيرن تلك الأيام ويقول: «كانت مارلين مونرو في قمة الجمال والجاذبية والمرح، مجسدة بذلك المرأة الأميركية المثالية بامتياز.. لقد أحببتها كثيراً». وتحولت مارلين مونرو إلى قطة متقلبة أمام العدسة فتنغمس تماماً في الدور الذي كانت تؤديه، من نجمة الأفلام الكلاسيكية التي يلفها معطف فخم من الفرو، مروراً بالعذراء الطاهرة التي تعتمر وشاحاً ناصعاً، فيما أصابع ستيرن تداعب حواف الصندوق الأسود بثبات، وشعور ينمو بداخله وكأنه يداعب قطعة من حرير شنغهاي!
ولأن مارلين مونرو امرأة من طراز مغمور بالعسل، كانت صورها الأكثر ارتباطاً بأرشيف بيرت ستيرن لأنها تتجاوز الصورة بمواصفاتها التقليدية، وأصبحت عملاً فنياً، مع أنه صوّر غريتا غاربو وغاري كوبر وألن ديلون وأودري هيبورن وصوفيا لورين واليزابيث تايلور حتى مادونا وكيت موس وليندسي لوهان، حيث حاول تكرار نفس تجربة صور مارلين مونرو معها.
كانت المرأة أمام كاميرا هذا الفنان تشعره بالقوة، ويتحوّل الإبهار لديه إلى طاقة فنية، ربما تجربة التقاط مئات الصور لمونرو كانت أشبه بخط اختبار فني، جعله ينجح في التعامل بحساسية دقيقة بين الظل والضوء عندما يسلطه على جسد المرأة. يكفي تأمل الصورة التي التقطها للممثلة درو باريمور مثلاً، تبدو بكل هذا البهاء المغري، من دون أن تغادر الذاكرة صورتها كطفلة في فيلم «أي تي» مثلاً. وفي عودة لزمن الأبيض والأسود تكشف عدسة ستيرن دلالة إيحائية في وجه ألن ديلون، في زمن كانت العيون كل العيون تترقب طلته، كذلك مع صوفيا لورين في زاوية تغادر البحث عن مجرد جمالها.