وتقدم الفنانة اللبنانية نزيهة السلوم القادمة من رحم الطبيعة تجربتها الفنية التي تتميز برقة وشفافية معبرة عما يختلج في شخصية الأنثى الأم والعاشقة في آن معا أما التجربة الثانية فيقدمها الفنان اللبناني ياسر الديراني الآتي من الطبيعة نفسها ليؤكد عبر أعماله على نزعة الإنسان الفطرية لتكريس كل ما يرفد قيم الجمال والخير والسلام في بيئة يعمرها الإنسان إذا أراد ويهدمها كذلك إن أراد.
اعمال الفنانة السلوم التي عرضت سبع لوحات نفذت بألوان الإكرليك الزرقاء لتنقل مجموعة الأوجاع والآلام التي مر بها الشعبان الشقيقان اللبناني والسوري وما رافق تلك المراحل من قلق وألم حل بكل إنسان في هذين المجتمعين حيث كان اللون الأزرق الطبيعي هو الأمثل للتعبير عن هذه الفكرة نظرا لما يجمعه في إشعاعه من قوة التعبير عن شعورين متلازمين هما الألم جراء ما يعانيه هذا الإنسان وأيضا الأمل الراسخ بأن القادم سيكون ولابد أفضل وأجمل.
يبدو أن الطبيعة التي تتمتع بها كل من جغرافية سورية ولبنان هي المحرك الأساسي لجملة الاعمال المعروضة فالسحر الآسر في كل منهما تأخذ ساكنيها الى عوالم من السكينة والهدوء والسلام الداخلي الذي يحفز على الانطلاق نحو حياة تشع بذات الألوان التي تتعشق بها لوحات المعرض لتجسد مجموعة الآمال التي يكتنزها الانسان في مخيلته ووجدانه وجلها تبحث عن مزيد من الطمأنينة والاستقرار فهي أعمال تحاكي الفكر والحواس في وقت واحد وتسعى لإثراء الحالتين الإنسانية والوجدانية.
وأكدت الفنانة اللبنانية أنه من السهل جدا أن ينتقل إحساس الفنان إلى كل من يشاهد هذه اللوحات طالما أنها رسمت بشفافية عالية وحس إنساني صادق وعفوي فهي ليست مجرد رسوم صامتة كما يخيل للبعض انما لوحات تتفاعل فيها مفاهيم الحياة وقيمها ورسائلها المختلفة بما في ذلك الأعمال التجريدية التي تغيب فيها العناصر الواقعية الصرفة التي عادة ما يختلف فيها إحساس المتفرج عن إحساس الفنان المجرد لكن التعاطي مع أفكار تتصل بالطبيعة ومفرداتها تسهل التواصل بين صانع العمل ومتلقيه.
من جهته قال الناقد والنحات وليد محمود عن أعمال الفنان ياسر الديراني الذي لم يستطع الحضور إن إبداع الفنان يتجلى في إظهار فن الطبيعة الضبابي حيث توحي الألوان في ظاهرها بالحزن في حين تبعث كوامنها على الأمل والتفاؤل فهو الفنان الذي يرسم حيث لا زمان ولا مكان سوى اللون والعشق والحنين لجعل اللحظة الفنية ممكنة وواقعية رغم كل ما يمكن أن تنطوي عليه من أحلام أو أوهام تقارب المستحيل.
وأضاف محمود أن هذا الفنان وهو ابن ريف بعلبك اللبناني استطاع أن يكرس حضوره المبدع على الساحة العربية من خلال رؤية فنية حالمة إلى حد ما ترجمها بقوة وإصرار رغم كل المعوقات المادية والاجتماعية التي يعانيها ورغم صعوبة الحصول على المواد والأدوات اللازمة لانجاز عمله الفني حيث استطاع ان يصل الى مرحلة من الفن المتميز الذي يجسده في لوحات صغيرة الحجم يغلب عليها إحساس عال وفكرة واضحة المعالم والأبعاد اللونية.
وأشاد محمود بالحراك الثقافي الذي تشهده اللاذقية في مختلف مجالات الفن والأدب حيث يعزز هذا الحراك جمهور ذواق متابع للحركة الفنية رغم ما يحيط به من ظروف قاسية تعبر بها سورية في هذه المرحلة التاريخية ورغم كل الألم الذي يسكن الإنسان القابع في هذه المدينة الوادعة مشيرا إلى أن هذا الحراك هو تأكيد على استمرارية روح الحياة في هذا الشعب العظيم.
بدوره أوضح الفنان كمال سلمان أن الأعمال المعروضة رغم الضبابية الموجودة في كثير منها تحفز المتلقي على تقصي عوالم من الأمل والفرح ضمن المناخات الحزينة نفسها التي تنقلها اللوحات في كثير من تفاصيلها ومفرداتها وهذا ما يؤكد تصميم الإنسان وقدرته على تحدي كل الألم والضيق والعواصف النفسية التي تحيط به نظرا للرغبة المتأصلة داخله للعيش بمحبة وسلام ما هو الحال في أحضان الطبيعة الإلهية من حوله.
وقال سلمان إن الطبيعة هي أم كل الإبداعات كما يظهر في المعرض الذي يحتضن صنوفا متعددة من الفن والتعبير الوجداني أو الحياتي اليومي لذلك فهي تمد المتلقي بجرعة عالية من الأمل بالحياة عبر ما تظهره من تداخل لوني تمتزج فيه الطبيعة الأرضية مع نظيرتها السماوية بكامل أجوائها وذلك بتقنية فنية ناضجة تختار مساحات مدروسة وألوانا مكثفة ومنسجمة مع بعضها البعض.
وأضاف أن اللوحة التي تستدعي الكثير من اهتمام المتلقي هي لوحة ناجحة وهكذا هو الحال مع اللوحات المعروضة في هذا المعرض الفني اللبناني حيث يسترسل الجمهور وقوفا وتأملا في اللوحات المعلقة على الجدران وهو ما يحسب في الوقت نفسه للجمهور السوري الذي بات متذوقا وبالغ الحساسية في هذا الكم الكبير من المعارض النوعية التي تقام دوريا في مختلف دور العرض الفنية في البلاد ما يشجع الفنان السوري ويدفعه إلى بذل الجهد المتواصل لملاحقة هذا التسارع في الحراك الثقافي السوري الملفت كتعبير عن استمرار الحياة والبقاء ومقاومة كل الآلام المحيطة به.