من أجل كسب أوراق قوة جديدة تقيها السقوط الحتمي والأفول جعلها أكثر تخبطاً في سياساتها حول العالم وخاصة بشأن الأزمة في سورية، لأن أميركا الخاسرة في العراق وأفغانستان راحت تعوض خسارتها بضرب الدول بالإرهاب والدرس الذي تعلمته أنه يجب شن الحروب بالوكالة.
ومن هنا راحت واشنطن تتحدث عن الروابط الثقافية، فإذا بحثنا عن هذه الروابط حول العالم نجدها دوماً روابط مع متطرفين وتكفيريين، وهناك فضائيات الحلفاء التي تروج لتنظيم القاعدة، وللفتنة التي هي آخر ورقة لمشروع واشنطن الأرعن وأتباعها في الخليج والغرب. ولما كانت دول الخليج العربي تتأثر بالوضع الأميركي صعوداً وهبوطاً ومصيرها متعلق إلى حد بعيد ببقاء أميركا، فعندئذ نعرف لماذا يحكم المنطق الثأري السياسات الخليجية الخاصة بتزويد المعارضة بأسلحة متطورة لضرب سورية وقتل السوريين ولذلك لا يتخلى فريق «مجلس اسطنبول» عن الدور الأرعن التي يضطلع به، ونظام أردوغان المرتعد الأوصال ربما صار همه الآن كيف يحافظ على الكرسي بعد سقوط الإخوان في مصر ولم يعد يتبجح بأن تركيا هي «أرض الناتو» مثلما فعل بعد أن خصخص كل المؤسسات التركية، وهكذا يتبين أن أرض الناتو أينما كانت حول العالم هي للإرهاب وليست لشعبها: أرض جماعة فتح الله غولن الإخوانية التي قامت في تركيا منذ السبعينيات وقاتل بعض أعضائها في أفغانستان ثم قاتل سليلوهم في العراق وسورية.
وبعد سقوط الإخوان المسلمون في مصر جيء بأحمد العاصي الجربا رئيسا لائتلاف الدوحة على أساس وضع الإخوان المسلمين السوريين فيه على الرف بعد تجربة الإخوان المصريين الذين اكتشفوا أن حليفهم الاستراتيجي في الغرب قد تخلى عنهم وهو الآن يداور ليظّهر أعواناً له جدداً يسربهم بشكل علني أو سري في أي بلد عربي، ويظل هم أميركا ضرب الحركات القومية العربية وضمان راحة نفس إسرائيل سواء أكان حلفاؤهم مقنعين بقناع الإيمان أو بقناع الليبرالية.
وعلى الرغم من سقوط الإخوان المسلمين في مصر، إلا أن التنظيم العالمي لهم المرتبط بالماسونية العالمية لم تنته مهمته وإن علا صياحهم في مصر على أميركا التي لم تحمهم من الشعب هناك، فالمطلوب منهم الانتقال إلى لعبة الدم في مصر وهي اللعبة التي مارسوها في سورية مرتين: في الثمانينيات من القرن الماضي وفي بداية العقد الثاني من القرن الجديد حيث مهدوا الطريق لكل الجماعات التكفيرية والوهابية والمرتزقة لمقاتلة سورية.
ولما كان الإسلام السياسي يتلون مثل الحرباء وقد يلبسه الغرب ثياب العلمانية، فيحاول من جديد اختراق بعض الدول من جديد بلباس آخر، سيظل للإسلام السياسي دور إذا صدقت رؤية رئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة الجنرال مارتن ديمبسي الذي يخبرنا أن الحرب على سورية ربما تستغرق عشر سنوات. ومن هنا يأتي إقرار طالبان باكستان بأن إرسالها مقاتلين إلى سورية جاء بناء على طلب من «الأصدقاء العرب» ومن خلفهم ما يسمى «أصدقاء سورية» الغربيين، ما يدل على أن قطر ما بعد الحمدين ماضية في سياستها وفي سباق مع سياسة سعودية تستشعر الأفول الأميركي الذي سيفضي إلى سقوط المشيخات الخليجية، وقطر تميم بن حمد مصرة على استمرار الخراب في سورية حيث يرون في تخريبها وهدمها طوق نجاة لهم في قادمات الايام.
ولذلك نشهد هذه الموجة من السلفية الزائفة، المنطلقة من السعودية والتي تتدخل في السياسة ليست كتلك السلفية التي تعد الجهاد فقط للدفاع عن الأوطان إذا تعرضت لهجوم. وهؤلاء السلفيون يجهلون في كثير من الأحيان كيف يتم التلاعب بهم من قبل الوهابيين الجهلة، وأنهم دائما يوجهون من قبلهم لزرع الفتن بين المسلمين وليس لتحرير المقدسات من رجس الصهاينة أو تحرير الحجاز من الدمى.
ولذلك يشهد العالم حجم الفوضى التي تسبب بها تسليح إرهابيو الناتو وتدريبهم وجلبهم إلى الأرض السورية، هي فوضى دولية وبعض دول العالم الكبرى تتهيأ لتزيح الولايات المتحدة عن عرش الشرق الأوسط فتعود دوله إلى سياداتها الفعلية تحت تطبيق أفضل للقانون الدولي من دون مكاييل مزدوجة، مع تعاون كبير مع الدول الصاعدة من بريكس إلى الميركورسور، حيث سيتحطم أيضاً الحلم الصهيوني بأن تصبح إسرائيل دولة عظمى على حساب العرب.