فما الذي يجب أن يقدمه الاعلام للأفراد حتى يكونوا فاعلين في مجتمعاتهم دون أي عوائق سلبية تنعكس على حياتهم ونشاطاتهم التي يقومون بها... وما الطرق التي يفترض على الدولة أن تتبعها حتى تسعى الى تحقيق اعلام جيد تنعكس نتائجه بشكل ايجابي على الأفراد الأمر الذي يعود بالتأكيد بفائده كبيرة على المجتمع والدولة من جديد وبالتالي ما أثر تلقي المواد الاعلامية على الأطفال, وكيف نرقى به نحو التوجيه السليم في ظل هذا الانفتاح الاعلامي الواسع الذي جعل العالم قرية صغيرة?
دكاك : سلاح ذو حدين وعلينا أن نحسن التعامل معه
طهران : لا يسود الخطأ إلا عندما يغيب الصواب
عن أهمية الاعلام ودوره التربوي والثقافي لدى الأطفال أقام المركز الثقافي العربي في جوبر محاضرة شاركت فيها الدكتورة أمل دكاك والمربية طهران سليمان وأدارها الأستاذ صبحي سعيد.
في البداية تحدثت الدكتورة أمل دكاك عضو الهيئة التدريسية بجامعة دمشق قسم علم الاجتماع والخبيرة الاعلامية في التحديات الحضارية التي يواجهها المجتمع العربي والتي فرضتها الثورة الاعلامية العالمية في مختلف مجالات الحياة وقالت: إن الطفل العربي يواجه في هذا العصر أكثر التحديات خطورة من أجل عولمة ثقافية تهدد وجوده وهويته ومستقبله.
كما أوضحت أهمية الطفولة وتنشئتها خاصة وأن الهرم العمري للمجتمع العربي يتميز باتساع قاعدته اتساعاً يشير بوضوح الى ارتفاع نسبة الأطفال حيث تمثل هذه النسبة 40% من تعداد السكان ويحتل الأطفال دون الخامسة عشرة ما يقرب من 45% من اجمالي عدد السكان أما في بعض البلاد العربية فيشكل الأطفال 50%.
تنمية وإعداد الموارد البشرية ..
تقول د. دكاك إن هذه الموارد تحتل مكانة هامة من التنمية ويتم هذا الاعداد عن طريق التربية والتعليم والتطوير المستمر كما بينت أن التنمية الثقافية هي عنصر أساسي من عناصر التنمية لأي مجتمع, ومن هنا فإن ثقافة الطفل تشكل منطلقاً أساسياً لحماية الهوية والحضارة والثقافة والوجود العربي حيث إن العولمة الثقافية تستهدف عقول الأطفال وتعمل على تذويب القيم , فالأطفال هم الشريحة الاجتماعية الأكثر خطورة من حيث التأثيرات الثقافية.
دور الإعلام الثقافي والتربوي
أما في حديثها عن الاعلام ودوره الثقافي والتربوي أشارت الى أهمية الاعلام في عصر الاعلام حيث التطور الهائل لتكنولوجيا الاتصال التي أنتجت المذياع والتلفاز والأقمار الصناعية والحاسوب والانترنت وبينت تأثيرات هذه الوسائل الايجايبة والسلبية على الانسان كبيراً وصغيراً من خلال المواد المقدمة وما يؤديه الاعلام من خلال وظائفه المختلفة الاعلامية الثقافية- السياسية التربوية وغيرها..
سلاح ذو حدين
وقالت إن الاعلام سلاح ذو حدين ولابد من الحذر ووعي طبيعة السلبيات التي يقع فيها خاصة التلفزيون إذا لم نحسن اختيار ما يقدم من مضامين برامجية أو أعمال درامية كما أشارت الى الانتاج الاعلامي العربي الخاص بالطفل وخاصة البرامج التلفزيونية.
ثم ذكرت د. دكاك نسباً من البرامج المستوردة التي يحمل بعضها قيماً وأفكاراً لا تناسب ثقافة الطفل العربي وقدمت تحليل مضمون لبعض المستورد مثل (البوكيمون ونقار الخشب -بات مان وغيرها..).
بعدها عرضت لأحدث الدراسات التي بينت أثر هذه المسلسلات المستوردة على الأطفال العرب ذلك من خلال محاكاة الطفل لشخصية البطل وعرجت على قضية الدوبلاج واللغة العربية في الرسوم المتحركة فإن معظمها يشوه نطق اللغة العربية لأن الفيلم يدبلج بلغة عربية ولكن الشخصيات والبيئة غير عربية هذا إضافة الى اختلاف نطق الحروف مع ما يتكلم به البطل في السيناريو كذلك تختلف مخارج الحروف والصوت وقد لمست بنفسها ذلك , تقول د. دكاك: خلال (17) عاماً من تجربتي مع الأطفال كوني معدة ومشرفة على برامج الأطفال اكتشفت أن نطق ولفظ العديد من الأطفال غير سليم والسبب تعرضهم الكثير لأفلام الكرتون..
وأخيراً أكدت د. دكاك على زيادة الاهتمام ببرامج الأطفال في الوطن العربي من خلال لجنة اختصاصية تشرف على هذه البرامج ويتم اختيار المسلسلات الكرتونية ذات المضمون الجيد وزيادة تش ية الأسرة من خلال الاذاعة والتلفزيون للعناية بثقافة أطفالها واستبعاد كل ما هو غير مألوف من شخصيات الرسوم المتحركة ذات المضامين السيئة وخاصة تلك التي تبث الرعب والقلق بنفس الأطفال, وأكدت في ختام محاضرتها على عدم نسيان دور كل مؤسسات التنشئة (الأسرة- المدرسة ووسائل الاعلام) من تنويع ثقافة الطفل وحثه على القراءة والمطالعة والنزهات .
مكنوز معرفي..يسهم في نمو الطفل
المربية طهران سليمان تؤكد أن استخدام وسائل الاعلام بشكل موضوعي ومنهجي ومنظم يساعد في تشكيل شخصية الطفل بصورة ايجابية من خلال برامجه التعليمية والترفيهية وتسهم في تنمية خيال الطفل وتغذي قدرته وتنتقل به الى عالم جديد مسهمة بذلك في تنمية تفكيره وتهذيب سلوكه وتعرفه ببيئات جغرافية متنوعة اضافة الى تنمية مهاراته وتوعيته وإرشاده..
ومن هذه البرامج ما يسهم بتزويد الطفل بمعلومات ثقافية متنوعة من برامج علمية..تعرف عمل أجهزة جسم الانسان ووظائفها بأسلوب جذاب.
هذا يكرس لدى الطفل مكنوزاً معرفياً في عمر مبكر كما تغنيه بعضها بلغة عربية فصيحة لا يجدها الطفل في محيطه الأسري..
لذلك نجد هذه الرسوم المتحركة تسهم إسهاماً مباشراً في نمو الطفل المعرفي واللغوي والذهني وتلبي حاجات الطفل النفسية وتشبع حاجاته وميوله وغرائزه كحب الاستطلاع وكشف ما هو جديد والمنافسة وحب التفوق فيسعى الطفل للنجاح.
قيم إنسانية
تبين المربية طهران أن البرامج الاعلامية تمنح الطفل الطمأنينة والأمان من خلال برامج ذات طابع محب الى نفوسهم فبعضها يعرض الصراع بين الشر والخير وليؤكد في النهاية على انتصار الخير على الشر, وكذلك تساعده في الحصول على حقه والدفاع عنه باستمرار فهي تحمل قيماً انسانية تفيد الأطفال في حياتهم..
ترويج للعبثية
كما لهذه الرسوم ايجابياتها لها أيضاً سلبياتها منها ترويج العبثية عند الطفل وغياب الهدف من الحركة والسلوك والسعي للوصول الى النصر والغلب بشكل عشوائي ونجد العديد من الأطفال يقلدون(الرجل الخارق أو الرجل العنكبوت) وهي بالتأكيد شخصيات وهمية خيالية تمتاز بالحركات الخفيفة والسريعة كما تسهم بحشو دماغ الطفل بمشاهد العنف المتواصلة التي يغلب عليها طابع الاثارة والدموية.
وتؤكد أن هذه البرامج لا تتفق مع ثقافتنا بل تسوق لنا قيماً وتقاليد جديدة كما تنقل حياة ونمط البيئات الأخرى الى مجتمعنا فيذوب بذلك انتماء أبناؤنا الى قوميتهم العربية .
تؤجج العنف
كما تؤكد المربية طهران أن العنف في أفلام الأطفال يؤجج العنف لديهم وتكرار تلك المشاهد يؤدي الى تبلد الاحساس بالخطر وقبول العنف كوسيلة لمواجهة المواقف وإكساب بعض الأطفال سلوكاً عدوانياً, كما تسهم بعض الشخصيات الكرتونية الى التأثير على نفسية الطفل وظهور عقدة الخوف لديه وتظهر له في أخلاقه, كما أن هذه الرسوم المتحركة نجد صورها بكثرة في الأسواق على الكتب والألعاب والمحافظ ونجد إقبال الأهل عليها أكثر من أطفالهم.
ولا ننسى أثر مشاهدة هذه الأفلام الكرتونية على صحة وجسد أطفالنا وما تسببه من أثر سلبي عليهم سواء على بصرهم أو عمودهم الفقري والكثير من الأطفال يتعرضون للسمنة بسبب جلوسهم الطويل أمام شاشة التلفاز وقلة الحركة واستمرار الأكل, كذلك يقل استماع الطفل للبرامج المسموعة وللقصص والكتب وتقل درجة التعامل بين أفراد الأسرة ويصبح الطفل وجهاً لوجه أمام مشكلات الكبار من خلال مشاهدته لها.
لا يسود الخطأ إلا في غياب الصواب
تؤكد المربية طهران أنه من الضروري تعويد الطفل على مشاهدة البرامج التلفزيونية بأوقات محددة ليستطيع أبواه اختيار البرامج المعينة للأطفال كي لا يصبح الطفل هدفاً لتأثير الثقافات المستوردة, وضرورة تشجيعه على ممارسة هواية يحبها وما أكثرها كالمطالعة والموسيقا والسياحة.. وقيام أبويه بمناقشته وحوار الطفل وشرح سلبيات هذه البرامج بأنها تجارية غرضها الربح المادي دون الاهتمام بتغذية عقل الطفل بما هو مفيد.
وأخيراً تؤكد المربية طهران أن الطفل عندما يجد الفكرة الصحيحة فإنها تقع في نفسه موقعاً طيباً ولا يسود الخطأ إلا في غياب الصواب, فعلى المعنيين بالأمر مراقبة البرامج المستوردة لمنع ما يتعارض منها مع المثل والقيم الأخلاقية والاجتماعية وذلك لمنع عرض البرامج الفارغة من أي هدف خاصة أن منتجي هذه الأفلام يقدمونها كعنصر إضحاك وترفيه وتسلية دون إدخال أي قيمة عليها..
وأخيراً تقول المربية طهران سليمان: علينا ألا ننكر دور الأسرة والمدرسة في التقليل من أخطار هذه البرامج المستوردة فعليهما التبصر بترشيد استخدامها وبذلك تقع المسؤولية الكبرى على الأسرة لأنها المظلة الاجتماعية الأولى فكل ما يزرع في الطفل يحصده المجتمع الانساني.