لكن الوفاء نعمة.. وأي نعمة حين يلقى الرماد جانبا وتستخرج الجذوة من تحتها لتتقد من جديد وتملأ الآفاق بوهجها... لا يقدم الكاتب والباحث بذلك فضلاً على الانسان المعطاء الذي نذر حياته للوطن والأمة فحسب بل يقدم فضلاً للأجيال كلها وهي تتابع سيرة هذا الأديب أو العالم أو المربي أو السياسي... تتابعها لتستقي وتنهل من معين تجربته وعطائه ما يفيدها ويعزز خطاها على ذات الطريق.
وقد لفت نظري ضمن هذه الجهود الكريمة ما قام به أحد الباحثين في مدينة اللاذقية وبدأب ونشاط مشهود له من توثيق لسير المربين الأفاضل ممن خدموا في مجال التربية والتعليم في تلك المحافظة ثم قضوا في دروب النضال لتنير الدروب أمام مواكب الأجيال, وقفت ملياً وأنا أتابع مسار تلك الكوكبة من المربين الذين تركوا بصمات لا تمحى.
أضاؤوا سبيل من تتلمذوا على أيديهم-فمدت اللاذقية يد الوفاء من خلال الجهد التوثيقي الواعد بمزيد العطاء الذي انبرى لتقديمه الباحث والشاعر الأستاذ نعمان ابراهيم حميشة مستحضرا ما قدمته حزمة الضوء من التربويين الغيارى, نكتفي في هذا المقال بذكر أسماء ثلة ممن ارتسمت قاماتهم في كل قاعة درس وعلى كل سبورة وأمام ناظري كل طالب نهل مما جادوا به من بحور العلم والمعرفة فاستحقوا قول الشاعر العربي أحمد شوقي: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا .
منهم الأديب والمربي(مسعود حسن جوني) ( محمد حكمت خواج) (سليمان كامل ) (سليم عيسى قاسم) (سليم شعبان حسن )(ابراهيم غانم) (اصطفان سالم )(أحمد خليل) (عبد الرحمن الخطيب) (أحمد حيدر) (جودت عباس)( علي ابراهيم حكيم)(سليمان اسباته) (علي افتيحه) (عبد الحميد حسن)(كامل محمد) (محمد أسعد) (علي عجيب).
معلمات وأمهات : أمل الشيخ عيسى- فاطمة حج ابراهيم- نجاة حداد- نديمة سعيد-د. سلوى الخير- صبيحة الشيخ ابراهيم- هند نديم هارون.
في الوقت الذي لم يكن في كل حي وكل قرية مدرسة وشارع ومكتبة تسارعت مسيرة التربية والتعليم بفضل جهود سلسلة من الرواد التربويين والمفكرين ثم كان الجهد الدؤوب والمتواصل لإنماء حركة التعليم وتطور التربية في اللاذقية حتى أصبح في كل حي وكل قرية وضاحية ما يلبي حاجتها من مختلف المدارس وعلى مختلف المستويات.
إن استذكار أولئك الرواد في مجال العلم والتربية يعيدنا إلى الجدلية القائمة حالياً حول ضعف مستوى التعليم والتربية في مدارسنا وتفاقم هذه الظاهرة إلى الحد الذي تسمع فيه النقد المباشر من هنا أو هناك على ضعف أداء البعض من المعلمين ممن لم يتأهلوا جيداً للنهوض باستحقاقات هذه المهمة المقدسة أو أنهم دخلوا غمارها ليس حباً بها ولكن لسد حاجة اقتصادية بحتة, ولأن حركة الحياة المتجددة لا يمكن لها أن تسير بالرجال وحدهم أو بالنساء وحدهن, ولا يستقيم أي عمل لأحدهما دون الآخر عزمت أن أغمس ريشتي في محبرة العلم المبدع الخلاق وفي أوراق دفاتره إلى أبعد مدى لاستجلاء معاني المرجعية الأساسية لحضارات الأمم وهي لغة الضاد والغوص في مناقب السيرة العظيمة التي أثرت كل الحضارات الإنسانية.
وفي ضوء ذلك: يتجلى المعلم الذي يضع الحلم ويجعله واقعاً ملموساً ينير العقول ويضيء الدروب ويفجر الطاقات ويغذي المبادىء وهو يبني ويشيد ويكسر الحواجز مؤمناً برسالته مستعداً للقيام بدوره كاملاً خدمة لمجتمعه وأمته, فما الذي يمكن وصفه هنا وما الذي يمكن أن نؤديه له كي نوفيه حقاً من حقوقه, فالمعلم الذي ناضل ضد كل أشكال الاستعمار والجهل والتخلف والظلم وشظف العيش وقسوة الحياة يستحق منا كل التقدير والاحترام لما تكبده من عبء مسؤولية التعليم والتربية وبشكل خاص في المناطق الجبلية المحفوفة بمخاطر شتى.
والتي تفتقر للحد الأدنى من الوسائل المعينة في رحلة شاقة سجلت مفخرة تدريس الطلاب معاني الثورة السورية الكبرى ومفاهيمها من منا ليس لديه ذكريات طفولته أيام دراسته الأولى بمآثر الثورة السورية ضد الفرنسيين وتعيده تلك الذكريات إلى باكورة أحاسيسه بلهفة وحنين حين كان يفتح الكتب ويغلقها تحت ضوء الفانوس وهو يلتقط أنفاسه وأصابع يديه تتلمس الكلمات ويتتبع بتأن يقرؤها مراراً حتى حفظها عن ظهر قلب وقرع بها أسوار العتمة وبدد ورسم لوحة أبجديات اللغة العربية وآداب الثورة السورية وقد زين بها جدار الزمن حضارة وحرية على يد المربين الرسامين المهرة بأجمل ريشة رسام.
سؤالنا الأساسي هو: كيف لنا أن تسجل اليوم أقلامنا بما تفيض به من معارف ومعلومات من الأهمية بمكان حول معلمين وتربويين تسمع الناس يتداولون في أمور التربية وتجد المناقشة محتدمة بمنافسة وغيرية حول كل القضايا الوطنية التربوية وغيرها من الأمور وبشكل خاص عندما يتساءل الناس عن مواطن الضعف بألم وامتعاض متسائلين كيف كان العرب سادة العالم بالعلم والمعرفة وكيف امتد سلطان حضارتهم من(سد الصين) إلى ( المحيط الأطلسي) ومن أسوار باريس إلى خط الاستواء وتنهال الأسئلة كيف كان البحر المتوسط لا تمخره أي سفينة إلا بإذن العرب وكيف,.. وكيف.. صفوة القول إن نداء صانع الحلم إلى الأجيال يستنهض هممهم لأن الهمة من النفس بمثابة الجناحين من الطير ترفع بصاحبها إلى الأفق الأعلى متسلحاً بالنية المخلصة التي عقد عليها العزم(المعلم صانع الحلم).