تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التعليم العالي .. واقعه ومقترحات لتطويره باتجاه البحث العلمي

مجتمع
الأربعاء 15/6/2005م
الدكتور نديم مخيبر

التعليم العالي أهم حلقة وأهم ركن لازم لتقدم الوطن ورغم الأهمية الكبرى لهذا القطاع فإن التعامل معه يتم بقليل من المسؤولية وحتى الآن يتم وضعه وتقييمه في زاوية قطاع خدمات

علماً أن التعليم العالي تأتي أهميته الاقتصادية قبل كل شيء وهناك دول كثيرة انتقلت بسرعة من دول متخلفة الى دول متقدمة نتيجة إعطائها للتعليم العالي الأفضلية الأولى.‏

فعلى سبيل المثال تم وضع قانون العمل الموحد في منصف الثمانينات وفي عام 2004 تم تعديله ووضع بصيغة قانون جديد تم تلافي الكثير من الثغرات فيه.‏

أما قانون تنظيم الجامعات فتم إصداره في 1/1/1975 وهذا القانون بالأساس جاء متخلفاً والآن مضى على صدوره 30 سنة ولم يتم تغييره, حتى أن الصيغة المطروحة حالياً لا تلبي حاجات تعليم عالٍ مشابه على الأقل لما هو معمول به في الدول العربية المجاورة.‏

منذ عشرين سنة وسقف الراتب لدى قانون العمل الموحد أعلى من سقف الراتب للعاملين تحت قانون تنظيم الجامعات ومقدار الترفيع في قانون العمل الموحد 9% كل سنتين أما قانون تنظيم الجامعات فما زال الترفيع على صفته القديمة هو أقل بكثير من قانون العاملين الموحد, هذه أمثلة بسيطة ولكن عدم الأخذ بهذه القضايا البسيطة ومنذ عشرين سنة ومن المطالبات المتكررة ولكن لا حياة لمن تنادي. حتى من خلال العمل بالقانون المعمول به حالياً هناك إمكانات للتطور بصورة أسرع بكثير مما تم خلال حقبة الثلاثين سنة الماضية وأن أسباب عدم التطور الكافي خلال الحقبة الماضية يعود لأسباب متعددة أهمها:‏

1-إن الذين توالوا على وزارة التعليم العالي بعضهم أخذ هذا المنصب( برستيجاً )وبعضهم سخرة لأغراضه الخاصة وبعضهم لا يمتلك القدرة على التفكير بكيفية النهوض بهذا القطاع وعندما يسألون عن سبب التخلف أو الركود فإن الجواب جاهز قبل سنوات قليلة يحتجون بقانون الاستيعاب الجامعي علماً أن قانون الاستيعاب الجامعي قانون عظيم وكان لتطبيقه الأثر الكبير في توسيع قاعدة المتعلمين وله أثر إيجابي كبير جداً على تطور حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولكن أساؤوا تطبيقه فقد انعكس سلباً على الكليات العلمية حيث أغرقوا هذه الكليات بكم هائل من الطلاب بأكثر من إمكاناتهم وهم لم يكونوا مجبرين على ذلك فلو حولوا 50% من هؤلاء الطلاب باتجاه الكليات النظرية لما انعكس سلباً على تلك الكليات كما أنهم تأخروا كثيراً في التوسع وتطوير المعاهد المتوسطة.‏

وجميعهم يشكون من قانون تنظيم الجامعات علماً أنهم جميعاً لم يمتلكوا القدرة الكافية على تقديم المبررات الموضوعية والعلمية التي توجب تغيير هذا القانون.‏

كما أن بعضهم شكا من اتحاد الطلبة وحمله جزءاً من مسؤولية عدم التقدم وهنا لا بد من الإشارة الى أن اتحاد الطلبة ولد قوياً وكان يمتلك قيادات ثورية في مراحل كان يتطلب أن يكون كذلك. وكانوا يشاركون في متابعة وتطوير العملية التدريسية ولكن في السنوات العشر الأخيرة بدأ دور اتحاد الطلبة ينكمش ولم يعد يهتم إلا بشؤون الطلاب الخاصة وترك متابعة العملية التدريسية, علماً أن اتحاد الطلاب بإمكانه بشكل فعال أن يشارك في الإشارة الى نقاط الضعف في العملية التدريسية والمطالبة بتطويرها ومن حق الطلاب الاعتراض على بعض أعضاء الهيئة ذوي الأداء الضعيف ولكن هذا وللأسف لا يتم حالياً.‏

2- قانون التفرغ تم وضعه 1976 وكان يهدف بشكل أساسي لتفريغ أعضاء الهيئة التدريسية للعمل الجامعي منه التعليمي والبحثي والمهني بما يخدم التنمية. ولكن هذا القانون لم يطبق كما يجب وتمت ترجمته الى زيادة في نصاب أعضاء الهيئة التدريسية فقط مبتعدين عن جوهره الأساسي وهو الجانب البحثي وترك العمل المهني على هواه بحيث تحول من عمل مهني متميز كما نص عليه القانون الى عمل مهني .‏

وتم التراجع عن الاستفادة المادية التي حصل عليها أعضاء الهيئة التدريسية من هذا القانون تدريجياً حيث كلما جاءت زيادة في الرواتب يستثنى من هذه الزيادة تعويض التفرغ حتى وصل في نهاية الثمانينات الى أقل من النصف وهذا ما انعكس سلباً على استقرار أعضاء الهيئة التدريسية وأدائهم .‏

3- الارتجالات التي تمت في هذا القطاع كان لها منعكس سلبي منها على سبيل المثال :‏

أ-في عام 1980 تم اتخاذ قرار إيفاد آلاف من المعيدين خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز 3 سنوات لتحقيق هذا الكم الهائل من الإيفاد اضطرهم الى قبول معيدين ذات سوية ليست جيدة كما تم إغراق دول كثيرة مثل ألمانيا الديمقراطية وبولونيا بكم من الموفدين بأكثر من طاقتهم ما اعتبره البعض صفقة تجارية وكان الأثر السلبي لهذا الإجراء هو أننا أصبحنا بعد عودة هذا الكم الكبير لسنا بحاجة الى إيفاد معيدين جدد وهذا أدى الى انقطاع أو جمود في عملية الإيفاد وبالتالي جعلنا نتخلف عن مواكبة تطور العلوم الحديثة خاصة وأن الغالبية العظمى من أعضاء الهيئة التدريسية بعد عودتهم من الإيفاد لا يطورون أنفسهم بسبب جمود الأنظمة وعدم توفر الإمكانيات.‏

ب-أيضاً وبنفس الفترة الزمنية أي في بداية الثمانينات تم اتخاذ قرار بتأليف كتب جامعية ولجميع المقررات وخلال فترة لا تزيد عن السنتين وتم بنفس الوقت تحديد الصفحات للكتب المؤلفة بحيث أصبح التدريس بالجامعات مشابهاً للتدريس في المرحلة الإعدادية والثانوية وهذا أعطى ناحية إيجابية لسنوات قليلة جداً ومن ثم ساد الجمود.‏

ج-تم إحداث أقسام وكليات وجامعات جديدة دون أي تهيئة مسبقة وفي أغلب الأحيان تم الافتتاح بنفس سنة الإحداث وبالتالي كانت الانطلاقة من الصفر ما جعل المستوى العلمي والإداري ضعيفاًًً جداً نتج عنه خريجون ضعفاء, على سبيل المثال تم إحداث وافتتاح 4 كليات معلوماتية وجامعة افتراضية دون أن يتوفر الحد الأدنى من التهيئة المسبقة ولم يكن هناك ما يمنع من أن تكون هناك فترة زمنية كافية ما بين الإحداث والافتتاح.‏

د-عمليات تعيين الكوادر العلمية والإدارية من رؤساء جامعات ووكلاء وعمداء الكليات ورؤساء أقسام تتم في غالبيتها العظمى بطريقة مرتجلة دون العودة الى الخلفية العلمية والإدارية وتجارب ناجحة سابقة.‏

ملاحظة : من الصدف التي يجب الوقوف عندها,هل يعقل أن يكون جميع رؤساء جامعة دمشق من عام 1980 وحتى تاريخه أطباء ,وواحد صيدلانياً.‏

4- البحث العلمي:‏

إن القوانين الناظمة للتعليم العالي لم تضع ناظماً محدداً للبحث العلمي وهذا قصور في القوانين ولكنها لا تتعارض مع بحث علمي حقيقي رغم أن القائد الخالد الرئيس حافظ الأسد تحدث مراراً منذ منتصف الثمانينات بضرورة الاهتمام بالبحث العلمي واعتبره ركيزة أساسية لبناء الأوطان والآن السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد يطالبنا بالتطوير والتحديث فأي تطوير وتحديث لن يكون بالعمق وبالسرعة الذي نريده بدون وجود بحث علمي حقيقي.‏

فالبحث العلمي بالإضافة الى أنه يؤسس الى بنية تحتية علمية قوية على جميع المستويات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والطبية وهذه البنية التحتية القوية تساعد على تحقيق ما يلي:‏

آ-توسيع دائرة المفكرين العلميين في جميع المجالات وهؤلاء المفكرون يساهمون بشكل قوي في بناء جيل علمي غزير المعرفة ويقلل من الارتجالات في حل كثير من القضايا.‏

ب-يصبح الوطن مركز استقطاب لقاصدي المعرفة ورؤوس الأموال والاستثمارات في جميع الاتجاهات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية حتى الأدبية والاجتماعية منها.‏

ج-توسيع دائرة الموضوعية العلمية التي تقلل من الارتجالات في حل جميع القضايا, فالبحث العلمي في جامعاتنا ضعيف الى درجة يمكن اعتباره غير موجود خاصة في الكليات العلمية ويعود هذا التخلف الى ما يلي:‏

إن مكونات البحث العلمي تقوم على ثلاث ركائز رئيسية وهي :‏

آ-الباحث ب-موضوع البحث ج-التمويل‏

آ- الباحث: الشروط الواجب تحققها في الباحث:‏

1- أن يكون متابعاًً لتطور العلوم في اختصاصه عن طريق المجلات العلمية والنشرات الصادرة عن مراكز البحوث وحضور المؤتمرات .‏

2-أن يكون متفرغاً كلياً أو جزئياً لأعمال البحث .‏

3-أن يكون دخله الشهري كافياً لتأمين حياته وحياة عائلته في المستوى المتوسط على الأقل.‏

4- أن يكون قادراً على السفر لحضور المؤتمرات والندوات بدون تعقيدات .‏

ب- موضوع البحث:من أين تأتي :‏

1-بحوث ناتجة عن متابعة الباحث لتطور العلوم في مجال اختصاصه.‏

2-بحوث تساهم في تطوير وحل مشاكلات الوطن.‏

3-بحوث ناتجة من إشراف أعضاء الهيئة التعليمية على رسائل الدراسات العليا.‏

إن مواضيع البحوث الواردة في 2يجب أن تصدر عن المؤسسات والوزارات المختلفة وهذا يتطلب رغبة أو نظاماًً يفرض على هذه المؤسسات طرح هذه البحوث ومتابعتها وهذا يعني أن الجامعات لن تستطيع أن تجري أبحاثاً من هذا النوع إذا لم تطرح هذه المشاكل من الوزارات والمؤسسات صاحبة المصلحة في حلها.‏

ج-تمويل البحوث:‏

1- البحوث الخاصة في البند 1 تقوم الجامعة بتقديم التمويل الكافي لتأمين التجهيزات وتعويضات المساعدين في البحث.‏

2- البحوث القادمة من المؤسسات والوزارات تقوم هذه المؤسسات بتقديم التمويل الكافي للبحث المطلوب.‏

3- يمكن تطوير وتمويل البحث العلمي في الجامعات من خلال تشجيع الإيفاد الداخلي ولكن بشرط أن ينفق على طلاب الدراسات العليا الموفدين إيفاداً داخلياً نفس القيمة المادية الوسطية التي تنفق للإيفاد الخارجي لأن طلاب الدراسات العليا لتحضير درجة الماجستير أو الدكتوراه ينجزون بحوثاً علمية حقيقية حتى يتمكنوا من الدفاع عن أطروحتهم.‏

على سبيل المثال يكلف الدولة الموفد إيفاداً خارجياً من ألف وخمسمائة الى ثلاثة آلاف دولار شهرياً فلو أنفق نفس المبلغ على الإيفاد الداخلي بحيث يوزع على الشكل التالي:‏

1-جزء للطالب الموفد داخلياً بحيث يتمكن من التفرغ الكلي لعمله البحثي.‏

2-جزء يعطى للأستاذ المشرف داخلياً إذا لزم الأمر ذلك.‏

3-جزء من أجل تأمين مشرف خارجي إذا تطلب الأمر ذلك ونفقات سفر المشرف الخارجي والداخلي إذا لزم الأمر ذلك.‏

4-جزء يخصص لتغطية نفقات السفر والإقامة لطالب الدراسات العليا الى بلد المشرف الخارجي ويقصد التمكن من اللغة أيضاً.‏

5- جزء يصرف لتأمين التجهيزات اللازمة إذا لزم الأمر.‏

بهذا نضمن بحثاً علمياً ينجز جزء كبير منه داخل الجامعة وينعكس بشكل إيجابي على تطوير أعضاء الهيئة التدريسية علمياً ومادياً وإغناء الكلية بتجهيزات جديدة وخلق ارتباط فعلي بين جامعاتنا والجامعات الأجنبية. ويضمن أيضاً بقاء الموفد في بلده لأن جزءاً كبيراً من الموفدين لا يعودون للوطن.‏

أما عن الاقتراحات :‏

1- إصدار قانون تنظيم جامعات جديدة يتضمن:‏

آ- الاستقلال المالي والإداري للكليات والأقسام.‏

ب-يتضمن هذا القانون نظام التعاقد الخاص بالتعليم العالي لتأمين التجهيزات المخبرية اللازمة بدون تعقيدات .‏

ج-عمليات الإيفاد توضع لها شروط خاصة بالتعليم العالي يتضمن سهولة الحركة.‏

د-يوضع نظام خاص للترجمة والتأليف مبسط وأجور مجزية لهذه الأعمال وأن تكون بحيث تتيح لهذه الأعمال قيمة في عمليات ترفيع أعضاء الهيئة التعليمية .‏

2- إصدار قانون جديد للتفرغ يكون الهدف الأساسي منه النهوض بالبحث العلمي بشكل أساسي وبحيث يتيح لأعضاء الهيئة التعليمية التفرغ الكامل للعمل الجامعي وبحيث يكون جزء من الدخل مرتبطاً بالإنتاج.‏

3- يتم قبول المعيدين وإيفادهم من اختصاص الكلية, ويعامل الإيفاد الداخلي من حيث الإنفاق المالي موازياً للإنفاق المالي للمعيد الموفد كلياً الى الخارج .‏

4-الفرض على جميع مؤسسات الدولة ميزانية خاصة بالبحث والتطوير والتحديث والبحث أسوة بجيمع المؤسسات العالمية.‏

5-يشكل في مجلس الوزراء مكتب أو هيئة مهمتها تنسيق العلاقة بين المؤسسات والجامعات.‏

تعليقات الزوار

عامر اسكندر جبله حمام القراحله |  aamereskandar@yahoo.com | 11/11/2007 23:29

من أفضل المقالات التي تعبر عن واقع التعليم العالي

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية