وقد شغل المستشرقون ببحث هذا الاصل والعثور على نص قديم يذكرها مثل نص ابن نديم الذي ذكر انها مترجمة عن اصول بهلوي اسمه ( الهزار افسان او (الهزارا فسانه) اي الألف خرافة,ولما كان كتاب ( الهزار افسان ) غير موجود فان البحث عن اصل الليالي يزداد غموضا ومنذ ترجمها -بتصرف كبير- الكاتب الفرنسي
انطوان جالان ذاعت في اوروبا وترجمت عن ( جالان) مرارا طوال القرن الثامن عشر ونشأت عليها اجيال من الشباب وتأثر بها كبار الكتاب الخياليين امثال (ديفو) و ( سويفت) و (هوفمان) و(ادغار الان بو) و( لا موت - فوكيد) و ( هانس اندرسون) و (غريم) وقد رفعها الناقد ( ريشتارد هول ) الى مكانة ( الاوديسة) قياسا مع الفارق .
وفي اواخر القرن التاسع عشر ترجمت عن الاصل ومازالت الى اليوم تصدر لها ترجمات مصورة فاخرة وقلدت الليالي بصور كثيرة واستنفدت في تأليف القصص وبخاصة الاطفال وكذلك المسرحيات الحديثة وألهمت رسامين وموسيقيين . وقد استقر الرأي بالنسبة لاصلها على انها لم تخرج بصورتها الحالية وانما الفت على مراحل واضيف اليها من مجموعات القصص المدونة على مر العصور الشيء الكثير وان الجزء المترجم عن الهزار افسان البهلوية اقل الاجزاء شأنا واصغرها حجما ومن القصص ماله اصول هندية قديمة معروفة ومنها ما هو مأخوذ من اخبار العرب وقصصهم الحديثة نسبيا وتمثل القصص بيئات شتى خيالية وواقعية واكثر البيئات الواقعية بروزا مصر ثم العراق و سورية وقد اظهرت الدراسات اختلاف اساليب القص وطرق المعالجة باختلاف الموضوع لاصطباغه بالمنبع الذي اخذعنه ومازالت الليالي عند العرب تدل على كثيرمن خيال الشرق وسحره ومازالت عند العرب كتابا من كتب العامة.
والجدير بالانتباه ان العديد من روايات الحب والمغامرات الفرنسية في القرن الثامن عشر استلهمت من الليالي العنصر الخارق ( الفانتاستيك) الذي يبعث الخوف والرهبة فلقد وظفت الجنيات والسحرة والارواح والاعمال الخارقة تلبية لرغبات القارئ الذي اصبح لا يجد ضالته المنشودة الا في قصة بطلها عاشق ثؤور يملك طاقية الاخفاء او خاتم سليمان وتطيعه الجان بل تقدم له المساعدات الضرورية بخضوع تام ..كما ان ( الليالي ) اعطت مفهوما جديدا للحب ( يكشف عن ذاته , ويفرض نفسه : ثورة في الحياة العاطفية . .ففي اعمال راسين كان الحب ضعيفا , اما في الليالي فانه ينبوع الشهوات حيث القانون الطبيعي الذي يعلو على كل المحرمات فينصح الكائن البشري ان يغوص في اعماق ذاته انها تتحدث عن نيران العاطفة وغليانها عن شرارات القلب ا لساخنة ,عن هموم الحب, وحكاياتها تسبح في جو من اللذة الجسدية وغالبا ما تكون درامية وعلى الدوام شهوانية .. والحب الذي يتولد من جمال الاجساد المتألق يمتزج بعبادة السعادة واللذة التي لا يعقبها ندم نسفت الليالي اذاً مفاهيم الحب البالية بل وسمحت لهم ان يتطرقوا الى موضوعات الجنس المختلفة وان يطلقوا العنان لخيالهم في وصف الحب الشرقي ينبوع الشهوات وتصوير المرأة الجميلة التي كان الابطال يعانون الآلام من اجل التمتع بجسدها الدافئ : نساء وصبايا جميلات فاتنات , يعجز اللسان عن وصفهن. .يعشن في مقصورات بنيت بالذهب والفضة تحيطها الاسوار العالية ويحرسها قطعان سود من خصيان العبيد...)
يمكن القول اذن ان روايات الحب والمغامرات الرومانسية قد اقتبست من الليالي تقنياتها ومغامراتها والصور العديدة التي كشفت عنها من حياة الشرق لا سيما القصور والسراي والحريم وسوق الرقيق وبيوت البغاء وملامح القوافل في الاسواق , وخان التجار ..انها روايات حول الشرق الى ارض للمغامرات والمخاطرات المغرية وموطن للحب والانفعالات القوية..
اضف الى ذلك اصبحت الجان والعفاريت تؤدي وظائف خطيرة في الرواية الفرنسية التي امتزجت فيها مشاهد الحب والغرام بالعناصر المدهشة والغريبة فهي لا تقوم بمساعدة الابطال فحسب ( تقودهم الى عشيقاتهم او الى الكنوز المدفونة في باطن الارض وسراديب القصور القديمة) .
انما تحب وتعشق ايضا الاميرات والجواري وتعمل كل ما في وسعها لاسعادهن وارضاء طلباتهن وقد لاتتردد في الانتقام منهن... واصبح الشرق عالما جديدا من الاحلام يحقق الرغبات الدفينة النفسية والجنسية علما شهوانيا وحسيا مترفا يسكنه ا لملوك والامراء والعفاريت وعبدة النار والسحرة والنسوة الجميلات المغريات القادرات على اثارة الفتنة.
ولم تتأثر روايات الحب والمغامرات في هذه الفترة بموضوعات السحر والتنجيم التي اذاعتها الليالي وانما تأثرت ايضا بموضوعات الرحلات التي اشتهرت بها حكايات شهرزاد وحاولت ان تستغلها ايما استغلال ويبدو ان رحلات السندباد البحري بما فيها من صور واوصاف ومغامرات قد أوحت الى الكثير من الروائيين ان يؤلفوا عما كانوا يتخيلون من رحلات تجري احداثها في عوالم خيالية مليئة بالمخاطر والاهوال وكان من نتائج هذا التأثير ان انتشرت في الرواية الفرنسية اللقطات التي تميزت بها الليالي عن باقي القصص الشعبية العالمية مثل : الحيوانات العجيبة العملاقة (طير الرخ) وجبال المغناطيس وصخور الذهب و الفضة والخيول الطائرة واشجار الجوهر واللؤلؤ وعبدة النار وبساط الريح والفانوس السحري انها روايات شائقة تلهب الخيال : ابطالها مغامرون يعرضون حياتهم للخطر من اجل استكشاف الحقائق يعانون كما يعاني السندباد البحري ويشاركون قمر الزمان تقلبات الدنيا ويرحلون على البساط المسحور ويمتطون طير الرخ او الحصان الطائر اما امكنتها فجزر خيالية تارة وكهوف عجيبة تارة اخرى وعوالم غريبة تارة ثالثة .
خلاصة القول ان روايات الحب والمغامرات الفرنسية في القرن الثامن عشر اقتبست من الليالي كل ما يخدمها ويسهم في نموها : استخدمت تقنياتها واستوحت منها عددا كبيرا من الصور والمشاهد والنماذج والرموز بل حاكتها في اسلوبها الاسطوري والخرافي وهذا يعني ان الروائيين الفرنسيين قد استسلموا لفن السرد القصصي الشهرزادي المتداخل . هذا الفن المغري الذي ابقى السلطان شهريار معقود اللسان , والذي توفرت لهم فيه اصداء لهمومهم ورغباتهم..