مرة على جميل أسلوبه في معالجة المسائل التي يتناولها والأفكار التي يطرحها ومرة أخرى على تقصي المسائل التي تهم الناس كل الناس وبخاصة أولئك (الغلابه) الذين هم أحوج ما يكونون الى من يبحث عنهم ويتلمس حاجاتهم ويعبر عن مشاعرهم بالاسلوب الجميل إياه وبطريقة تتعدى الرغبات والحاجات الشخصية لهؤلاء الناس لتدخل في عمق الحالة الوطنية التي لا يمكن اعتبارهم إلا جزءاً مهماً من بنيتها العامة.
ما دفعني الى الكتابة تحت هذا العنوان أنني قرأت مقال الأستاذ (أسعد) الذي عنوانه (صوت في بكاء مستمر) وكنت قد قرأت المقال السابق له حول تعيين المهندسين بالقرار الأخير لرئاسة مجلس الوزراء وبالتالي فأنا كواحد من القراء أثني على الاقتراح الذي ختم به مقاله وأذهب الى أبعد مما ذهب لأقترح على الدولة إعادة النظر بقرار فك الالتزام بالمهندسين والعودة الى مبدأ الالتزام لأسباب أهمها :
1- أن المهندسين بشكل خاص وفي أي مجتمع هم العنصر الأساسي في عملية التنمية بما لديهم من علوم تقنية تعتبر الآن هي الشرط الضروري لأي نهوض اقتصادي محتمل في عالم اليوم لا سيما وأن قوة العمل القائمة الآن في بلدنا تحوي ما نسبته 73-75% ممن لا يتجاوز مؤهلهم العلمي الشهادة الإعدادية بحسب الاحصاءات الأخيرة ومما لا شك فيه أن هذه النسبة تنطوي على مفارقة كبيرة وغير منطقية في مجتمع يحث الخطا في مسيرة التطوير والتحديث, ومما لا شك فيه أيضاً أن هذا الاعتبار كان هو السبب الحقيقي لقرار إلزامية التعيين عندما صدر لأول مرة .
2-إذا كان قرار فك الالتزام بسبب فائض عدد المهندسين المعينين في الشركات والمؤسسات والدوائر وشكوى الإدارات من ضغط هذا الفائض فأنا ممن يعتقدون بأن الإدارة الناجحة و الكفوءة مع تسلسل مستوياتها من الأدنى الى الأعلى وبالعكس لا تعدم الوسيلة ولا الأسلوب في تحويل فرصة التعيين من كونها سبباً في بروز ظاهرة البطالة المقنعة الى أن تكون فرصة عمل حقيقية منتجة سواء بالبحث عن الموقع والعمل المناسب لهذا الكادر العلمي في الشركة أو المؤسسة المعين فيها وبما يؤدي بالنتيجة الى أداء نوعي مميز, أو بالبحث عن مطارح عمل جديدة تستوعب أعداد الخريجين تباعاً وبدون أن يكون هناك أي احتمال لتراكم (قوة العمل ) المعطلة وبما يؤدي مستقبلاً الى حالة ضاغطة بأضعاف ما هي عليه الآن, غير أن هذا الافتراض مشروط بالتراجع عن أسلوب المركزية الإدارية وتأهيل إدارات كفوءة تمتلك حس المسؤولية وتفكر بعملها ومهامها وبالتالي تكون قادرة على المبادرة وتحمل المسؤولية القرار.
3-إن هناك مفارقة حادة أخرى في هذه المسألة مضمونها الصريح أن مصنفي الفئات الثالثة والرابعة والخامسة يجدون فرصة عمل وكل ضمن فئته وله حق المواطنة, أما المهندس فليس له فرصة عمل مؤكدة وإذا ما قيل: إن الدولة غير قادرة وليست مكلفة بتوظيف جميع أبنائها نقول في الجواب: نعم هذا صحيح في الإطار العام أما في حال التخصيص فإن هذه الشريحة بالذات ليست عالة على غيرها بل إن جهدها وإنتاجها يغطي نفقاتها ونفقات غيرها إذا ما أحسن توظيف هذا الجهد, وهناك ظاهرة بدأت تشق مجراها في واقع الحياة الاجتماعية وهي أن وضع الموظف الآن أفضل من وضع العامل الحر نسبياً, وبالنسبة للمهندسين فإن العديد من أصحاب المكاتب الهندسية الخاصة لا يعملون بما يغطي نفقات مكاتبهم فاشتغلوا بالتجارة أو بغيرها وهناك عدد كبير منهم لا يستطيع أن يفتح مكتباً فيشارك مهندسين آخرين وهذا هو الحال الآن فكيف بعد أن يتخم السوق بأعداد الخريجين الجدد فهل من المنطق أن نضيق دائرة الإحراج على الناس الى درجة الاختناق?
4- هناك حديث متداول يفيد بأنه في حال التعيين على الشاغر فإنه يستثنى من التعيين كل من كان معدل تخرجه دون الستين بالمئة بصرف النظر عن إمكانية استيعابه أو الحاجة إليه فإن صح هذا الأمر فإنه مجاف لأي منطق فالكل يعلم أن معدل التخرج لا يعبر دائماً عما يوازيه في السوية العلمية أو مستوى الأهلية وأن الفارق النسبي في العلامة لا يعبر عما يوازيه من فوارق حقيقية فكثيراً ما يكون ظرف طارئ سبباً في تراجع الطالب أو ظرف قاهر من واقع المستوى المعاشي للطالب وبالتالي فإن الصواب أن يكون التعيين حسب تسلسل معدلات التخرج وقدم التخرج وللجميع دون استثناء .
5-وأخيراً ما ذنب هؤلاء الشباب الطامحين الذين كانوا يظنون أنهم يتأبطون المستقبل ساعة دخلوا كليات الهندسة منذ خمس سنوات ليفاجؤوا فيما بعد أنهم يتأبطون خيبة عمرهم ?!