وهذه الذاكرة يفوح منها عبق رجالات مروا من هنا «أدباء، مفكرون، علماء، معلمون..» وأبطال استبسلوا واستشهدوا في سبيل الوطن وإعلاء شأنه، وقبل كل ذلك قيادة حكيمة رسمت الخطى بالحكمة والوعي وصون البلاد من أي معتد يحاول أن يفسد استقرارنا وأمننا.
ولكن ترى هل تكفي تلك الذاكرة لانتشال هذا الجيل من براثن تلك التكنولوجيا التي سلبته خصوصيته وأبعدته عن تراثه ليواكب آخر أجيال الهواتف النقالة، وآخر صيحات الموضة، ويهجر الكتاب إلى تلك الصفحات الزرقاء التي تعبث بذاكرته وتسطح تفكيره إلا من قبض على هويته ومازال يتأبط الكتاب حصنا يسور ذاكرته من عبث النسيان، فكان في ذلك كالقابض على الجمر.
وهل حقا استطعنا أن ندخل إلى عقول هؤلاء الشباب ونخاطبهم ونسبر أغوار أمنياتهم وطموحاتهم وتطلعاتهم، أم مازلنا نعتبر الثقافة هي ميدان فسيح للنخب وحسب، وخصوصا أننا نعلم أن مرحلة صعبة عاشها هؤلاء جراء الحرب الظالمة على بلادنا، فهل لدينا متسع لهم في ذاكرة الوطن ليوقعوا عبر آمالهم على صفحاته أمنيات على قائمة الانتظار؟
لاشك الجهود كبيرة تلك التي تبذل من أجل النهوض بالثقافة في ميادينها كافة، والذاكرة لاتزال تحمل في أرشيفها أعمالا كثيرة وقعت بأنامل مبدعيها رغم الظروف القاسية التي عشنا تفاصيلها في الآونة الأخيرة، والتي وثقت لمرحلة فيها من الألم والحزن، بقدر مافيها من البطولات والتضحيات، وهذا جميعه يضع بين أيدينا مسؤولية كبيرة لنحفظ للوطن ذاكرته، ونشير بالبنان لكل من ساهم في الحفاظ على أمنه وسلامه وخط بحروف من نور انتصارا يليق بالوطن وعراقته، ومسورا بمجد لايأفل.