الإدارة الاميركية بدأت في تغيير استراتيجيتها بالعراق بدءا من ولاية بوش الثانية حيث لجأت لفتح باب للحوار مع فصائل المقاومة العراقية بعدما كانت ترفض ذلك المبدأ بشكل قاطع وتم ذلك قبيل زيارة وزيرة الخارجية كونداليزا رايس المفاجئة للعراق في منتصف أيار الماضي والتي طالبت فيها بتوسيع مشاركة السنة في الحكم وذلك مقابل تهدئة ضغوط المقاومة وبعدما اعترفت بضراوتها وأكدت أن القوة العسكرية لا يمكن لها وحدها أن تهزم الجماعات المسلحة بل رأت ضرورة وجود مشروع سياسي بديل وقوي يفرض نفسه .
ويضيف بأن الحوار الأميركي مع جماعات المقاومة العراقية لم يكن ليتم لولا الضغط الحقيقي لها على الوجود الاميركي وتصاعد خسائره هناك حيث بلغ متوسط العمليات التي تقوم بها المقاومة 30 عملية يوميا بعدما كانت من 80 الى 100 عملية في الأسبوع وهو ما يشير لخطورة الوضع هناك وحسبما أعلن رئيس أركان الجيش الاميركي مؤخرا عن حاجته إلى 9 سنوات للقضاء على الجماعات المسلحة بالعراق ومع ذلك فإن الإدارة الامريكية مازالت ترفض تحديد جدول زمني للانسحاب من العراق وهو المطلب الذي طالبت به أغلبية العراقيين ويطالب به أيضا عدد كبير من أعضاء الكونغرس الأميركي إلا أن فشل بوش وإدارته في تحقيق أهدافهم من عملية غزو العراق يدفعهم إلى التخوف من حملة داخلية ضدهم لمحاكمتهم على هذه المغامرة غير المحسوبة والمكلفة .
إن حدة هذا المأزق قد تدفع بإدارة بوش المحافظة إلى تبني الخيار العسكري العنيف ضد العراقيين للقيام بحملات كبرى وموسعة وعلى غرار ما قامت به في الفلوجة في آب الماضي ما يعني تصعيد المقاومة ضدها وزيادة تورطها في العراق.
البحث عن مخرج
اللواء عبد الرحمن الهواري الخبير الاستراتيجي :
إن الولايات المتحدة بدأت تبحث عن مخرج لها من الوضع الحرج الذي تواجهه في العراق سواء عن طريق تصعيد ضغوطها على الدول العربية كسورية ومصر التي استضافت مؤتمرا حول العراق في تشرين الثاني الماضي كما أنها تساهم حاليا في تدريب كوادر عراقية والتوسط مع بعض الجماعات السياسية السنية في العراق للمشاركة في العملية السياسية هذا بالإضافة إلى احتمالات السماح للحلف الأطلسي بلعب دوره في العراق وعلى غرار أفغانستان لاسيما بعد المصاعب الكبيرة التي باتت تواجهها القوات الاميركية هناك.
ويرى الهواري أن المقاومة لن تتوقف لمجموعة من الأسباب في مقدمتها وجود جماعات مسلحة وتعتبر الوجود الأميركي بالعراق فرصة سانحة ينبغي اقتناصها لتصفية حسابات معه وثانيها النظرة التي تسيطر على الكثير من الجماعات هناك من كون الحكومة الحالية غير شرعية وأنها تخضع للسيطرة الأميركية وبالتالي يجب إسقاطها وإفشالها وثالثها عدم مطالبة هذه الحكومة للإدارة الاميركية بتحديد جدول زمني للانسحاب من البلاد وهو ما يجعلها عرضه للفشل في السيطرة على البلاد بالإضافة إلى عدم قدرة قوات الأمن والجيش العراقية على التصدي لعمليات المقاومة .
كل هذه العوامل وراء استمرار المقاومة وبشدة ضد الوجود الأميركي بالعراق الأمر الذي اضطرت معه هذه الإدارة إلى محاولة التحاور مع الجماعات العراقية لتخفيف الضغوط عليها وإن كانت لن تنجح في ذلك بسبب عدم استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية للعراقيين سواء بتحديد جدول زمني للانسحاب أو بالسماح لدور اكبر للأمم المتحدة .
اللواء قدري سعيد رئيس وحدة الدراسات العسكرية بمركز الدراسات السياسية بالأهرام :
السياسة الأميركية في العراق تعاني من حالة تخبط واضحة نتيجة لسوء تقدير الإدارة ومخططيها العسكريين والاستراتيجيين لطبيعة الأمور في العراق وموازين القوى هناك بشكل جيد وفشل رهانها على شخصيات محددة كأحمد الجلبي والتي كانت تظن أن لهم ثقلا سياسيا كبيرا في العراق بالإضافة إلى خطأ استبعادهم للسنة من العملية السياسية أو تهميشهم في محاولة لعقابهم على الفترة السابقة وهو ما ثبت فشله وبقوة بعدما راهنت الإدارة الأميركية على دخول العراق في مرحلة من الهدوء النسبي بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة وهو مالم يحدث حيث لقي أكثر من 700 شخص مصرعهم بعد شهرين فقط من تشكيل الحكومة وحدثت أكثر من 4000 عملية مقاومة منذ إجراء الانتخابات في كانون الثاني الماضي الأمر الذي يؤكد على انفلات الأوضاع الأمنية بشكل واضح بالرغم من العمليات العسكرية الكبيرة التي تقوم بها القوات الاميركية لتصفية المقاومة في المدن السنية .
حمدين صباحي مؤسس حزب الكرامة والقيادي الناصري :
إن ما تواجهه الولايات المتحدة حاليا هو فشل مشروعها في العراق حيث كانت تهدف إلى إقامة نموذج ديمقراطي في البلاد تعتبره مقدمة للإصلاح في المنطقة فيما عرف بالشرق الأوسط الجديد كما روجت لذلك إدارة بوش عقب أحداث أيلول 2001 وحاولت أن تدفع دول المنطقة إلى تأييد تلك الأفكار وتأييد حربها في العراق, مؤكدا أن تصعيد المقاومة لعملياتها وتوالي الضغوط الداخلية على إدارة بوش قد يدفعها لتبني خيارات اكثر عدوانية في العراق ومنها إشعال البلاد بالفتنة الطائفية وهو ما بدأته بالفعل لإحراق العراق قبل انسحابها من هناك وكذلك الضغط على دول عربية لإرسال قوات لحفظ السلام في العراق في محاولة لإنقاذ وجودها هناك وهو ما يمكن أن يحدث في ظل تقبل بعض الدول العربية لهذا الاقتراح .
زوال الوجود الأميركي
رجب هلال حميدة وكيل حزب الغد المعارض:
إن الوجود الأميركي بالعراق إلى زوال وهي حقيقة لم تتوقعها اميركا منذ البداية رغم هزيمتها في فيتنام وانسحابها المذل من هناك تحت ضغط المقاومة الشديد الأمر الذي يجعلنا نؤكد على ضرورة مساندة المقاومة العراقية الباسلة التي أحرجت إدارة بوش والتي تتعامل بنهج الغطرسة والقوة التي تسيطر عليها منذ تولى بوش الحكم, مؤكدا أن فشل الآلة العسكرية الأميركية في مواجهة المقاومة العراقية جعلها تلجأ إلى المكر والخداع لكسر المقاومة وشق صفها فهي من ناحية تروج لحوار بينها وبين بعض الفصائل المقاومة ومن ناحية أخرى تحاول تقديم إغراءات مادية وسياسية لزعماء عشائر سنية للتوسط لدى المقاومة لتهدئة عملياتها ضدها وحتى يتحول الصراع إلى صراع على السلطة بين مختلف الطوائف العراقية بينما تكون الهيمنة والسيطرة للقوات الامريكية عليها جميعا .
الكاتب والمفكر القومي احمد عز الدين :
إن اميركا في حالة استنزاف ضخمة بالعراق وإن حرب تصفية حسابات تتم هناك ضدها وهذا كله جاء نتيجة لسياستها الخاطئة القائمة على التسلط والغطرسة العسكرية وفرض الرأي بالقوة وهي بذلك تعيد لذاكرة الشعب الأميركي الحزين والذي أعاد انتخاب بوش من جديد تعيد إليه مأساة فيتنام الدامية والتي لا يمكن نسيانها والخروج المذل لقواتها على متن طائرات الهليكوبتر من المدن .
إن توالي الضغوط الداخلية على الإدارة الاميركية قد يدفعها إلى القيام بعمليات عسكرية ضد دول أخرى كمحاولة للتغطية على فشلها في العراق ولتقديم مبررات للشعب الاميركي حول أسباب هذا الفشل وكما درج على الترويج لذلك قادة ومسؤولون اميركيون في الإدارة والجيش الاميركي وآخرهم رئيس الأركان والذي اتهم سورية صراحة بدعم المقاومة العراقية .
تدني شعبية بوش
القيادي الناصري حامد محمود نائب رئيس الحزب الناصري:
إن شعبية الرئيس الأميركي جورج بوش أصبحت في تدهور مستمر بسبب ما يحدث في العراق وأفغانستان وفشله في تحقيق الوعود الكاذبة التي قطعها على نفسه بالقبض على بن لادن وضمان ضخ البترول العراقي بأرخص الأسعار وهو ما لم يحدث مطلقا ولن يتمكن من تحقيقه إذا ما ظل الوجود الأميركي هناك .
واستطلاعات الرأي التي تجريها الصحف ومراكز الأبحاث الاميركية تؤكد على انهيار شعبية بوش بشكل كبير وذلك كما أكدت صحيفة الواشنطن بوست في استطلاع نشر مؤخرا أن اكثر من 60% من الامريكيين يرون أن بلادهم تواجه هزيمة ساحقة في العراق وأن غزو العراق لم يجعل بلادهم أكثر أمنا كما وعد بوش قبل الحرب ويؤكد أن الكارثة الحقيقية قد تأتي من جانب الدول العربية والتي قد تسارع إلى إنقاذ بوش بطريقة أو بأخرى .
حسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع المعارض :
إن الولايات المتحدة فشلت فشلا ذريعا في عملية إعادة بناء العراق وكما روجت لذلك من قبل فلم تنجح في بناء الهياكل الإدارية للدولة ولم تتمكن من بناء قوة أمنية عراقية يمكنها الاعتماد عليها كما أن حالة عدم الاستقرار الحالية والتي تسود أنحاء العراق كافة توضح إلى أي مدى تعاني اميركا من مشكلات في العراق لم تستطع حتى الآن التوصل إلى مخرج منها.
وجولات المسؤولين الاميركيين في المنطقة وانعقاد مؤتمر بروكسل حول العراق والضغوطات الأميركية على دول المنطقة كافة لدعم العراق وفيما يسمى بدول جوار العراق لم تنجح حتى الآن في ترجمة أي موقف عملي لها لكنها تؤكد على طبيعة المأزق الاميركي ومحاولة إيجاد حل يرضي السيد الاميركي ويحفظ ماء وجهه وحتى لا يواجه الرئيس بوش مطالب داخلية بالاستقالة أو محاكمته بعدما ثبت سقوط كافة ذرائع احتلال العراق كما أن هذه العملية قد
كلفت دافع الضرائب الأميركي مليارات الدولارات بالإضافة إلى آلاف القتلى والجرحى الأميركيين والذين يعانون مشكلات نفسية نتيجة للوضع الصعب في العراق.
إن الوقت ليس في مصلحة أميركا بعدما تحول إلى عامل ضغط عليها وبعدما كانت تراهن من قبل على نجاح مشروعها وأن المسألة ليست سوى وقت ليس أكثر ولكن الظروف والمتغيرات في العراق أصبحت تشكل ضغوطاً لا يمكن لبوش وإدارته مواجهتها سواء على الصعيد العسكري أم السياسي وذلك بالرغم من تجاوب دول عربية كثيرة مع المطالب الأميركية.
إن الرهان الأميركي في العراق قد فشل ولم يعد أمام الإدارة الأميركية سوى التحضير لترتيبات الخروج وإن كان المحافظون في واشنطن لا يمكن أن يرضوا بخروج مهين لقواتهم من العراق ولذلك فقد يلجؤون إلى سيناريوهين: أولهما محاولة التفاوض مع الجماعات السياسية المختلفة في العراق بالخروج إلى خارج المدن ووضع جدول زمني للانسحاب من البلاد كحل يمكن المراهنة عليه لإعادة ترتيب الأوراق من جديد, والسيناريو الآخر هو إشعال الفتنة بين الشيعة والسنة في البلاد مع الاحتفاظ بورقة الشمال الكردي الموالي لها كقاعدة انطلاق يمكنها إدارة أمور العراق من خلاله ودعم الفرق المختلفة وهو الأرجح في المستقبل القريب.
فشل الاحتلال
الخبير القانوني الدكتور يحيى الجمل:
الوجود الأميركي في العراق محكوم بعاملين رئيسيين أولهما المزاج العام للشارع الأميركي وهو الوحيد القادر على الإطاحة ببوش ومجموعته الحاكمة من أصحاب النظريات الاستعمارية والذين يريدون فرض سيطرتهم على العالم بالقوة العسكرية والعامل الثاني هو الموقف العربي والإقليمي مما يحدث في العراق والذي يتسم بالضعف والتخاذل, فإذا ما تبدلت هذه المواقف وتمسكت ولو بالحد الأدنى من دعم المقاومة فإن الوجود الأميركي سيصبح في مهب الريح.
ويضيف بأن الدول العربية تواجه الضغوط الاميركية والتي ترغمها على المشاركة في عملية إعادة بناء العراق بل وتدفعها لإرسال قوات إلى هناك ,وكما عرضت الاردن بالإضافة إلى مأزق الضغوط الداخلية عليها من الشارع العربي والذي ينتقد المواقف المتخاذلة لبعض الحكومات تجاه ما يحدث بالعراق ولذلك فإن اميركا لا يمكنها أن تتوقع أية مساهمات عربية أخرى في العراق وإلا فإن حلفاءها من الحكام العرب سيكونون في مهب الريح .
الكاتب الصحفي والمفكر عبد العظيم مناف:
تخبط السياسة الاميركية في العراق دفع بالإدارة المحافظة في البيت الأبيض إلى اعتماد خيارات متعددة بدءا بما يسمى بالفوضى البناءة ثم بالخيار الفيدرالي ثم الخيار الشعبي وقد تعمد في النهاية إلى خيار تفجير الأوضاع في البلاد إذا ما استشعرت أن الحل الوحيد هو الانسحاب من البلاد دون التفاوض مع أية اطراف لأن العراق لا يتحكم فيه طرف واحد أو أطراف محددة .
ويضيف بأن فشل المخطط الاميركي في العراق وتخلي الحلفاء عنه قد يدفع بالرئيس بوش للبحث عن حلول جديدة للموقف هناك .
وبداية النهاية للوجود الاميركي في العراق بدأت مع تفكيك الجيش العراقي والمقاومة الشرسة للاحتلال منذ أيامه الأولى وهي أمور لم تدرك اميركا معناها إلا في وقت متأخر وبعدما تورطت في منطقة من الصعب أن تجد فيها حلفاء حقيقيين قادرين على مد يد العون لإنقاذها من هناك خاصة مع وجود الكثيرين الذين يريدون تصفية الحساب معها .