حيث كانت تشغل حيزاً كبيراً في أميركا وآسيا وافريقيا وأوقيانوسيا لذلك أطلق عليها اسم الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس, وفي هذا الواقع كان لها الدور الرئيس في استعباد الشعوب في الكثير من أصقاع العالم, لكنه تجلى ببشاعة كبيرة في افريقيا حيث هيمنت على جزء كبير منها ونهبت ثرواتها واستعبدت مواطنيها, وبالرغم من الأضرار التي ألحقتها بافريقيا والمجتمع الافريقي نأت بنفسها عن تقديم الاعتذار والأسف لأحفاد من أذاقتهم أنواع الظلم والاضطهاد اسوة بما تقدمت به من اعتذار للشعب الإيرلندي عما لحق به من أذى جراء مجاعة البطاطا أو أنها أقامت نصباً تذكارياً يكفر عن الفظائع التي ارتكبتها بريطانيا في افريقيا, ويبرز سؤال آخر لماذا لا تعترف بريطانيا بالثروة التي سلبتها من افريقيا وماقدمه الافارقة من تضحيات لازدهار ومنعة بريطانيا الحديثة, ألا ينبغي أن تقدم الحكومة البريطانية اعتذاراً لأحفاد أولئك العبيد الافارقة..
برزت تلك الأسئلة في الوقت الذي لا تزال القوات الأميركية والبريطانية تعيث فساداً في الأرض العراقية, وتتلطخ أياديها بدماء العراقيين الأبرياء, الأمر الذي دعا الدولتين إلى البحث عن طريقة لتحسين صورتهما أمام العالم الذي استذكر ما تعرضت له افريقيا من حيف في الماضي, لذلك قدموا أنفسهم كمنقذين لافريقيا باجتماع عقدته الدول الغنية (المسماة قمة الثماني) التي حاولت إلغاء ديونها على الدول الافريقية لتظهر بمظهر من يرغب بتقديم الدعم والتطوير لافريقيا, لكن الواقع يقول إن تلك الأموال المقدمة ليست هدية يمن بها الغرب على الشعوب الافريقية, وإنما هي (وفقاً للتعبير التجاري) مقايضة الإعفاء من الدين بالظلم الذي تعرضت له تلك الشعوب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تراكمت الديون على الدول الافريقية?
ونجد الإجابة في كون هذا الدين حصل جراء شراء معدات صناعية من الغرب واليابان, ولشراء النفط من الدول التي تودع أرباحها في لندن ونيويورك, وإن مقارنة بين ديون افريقيا للغرب وديون الغرب لافريقيا تجعلنا نقف مذهولين أمام التقديرات للديون الافريقية على بريطانيا وسواها من الدول, إذ إنه من الصعوبة إحصاؤها فهي تفوق الآلاف من تريليونات الجنيهات, والتي تتمثل بالموارد الافريقية المنهوبة والمستعمرات والأرباح المحققة من تجارة العبيد والسكر والقهوة القطن والتبغ والتي لا تشكل في إجمالها إلا جزءاً يسيراً من الموارد التي حصلت عليها بريطانيا من القارة الافريقية.
والسؤال الأهم: ما هي الأموال التي تم اختلاسها من الشعوب الافريقية واستثمارها في الصناعات الغربية التي أدت إلى تحولات كبيرة اقتصادية واجتماعية في أوروبا الغربية, لقد نتج عن استثمار تلك الأموال تطور كبير في الأعمال المصرفية والتأمين وبناء السفن وصناعة الصوف والقطن وصهر الحديد والنحاس, وأنشئت مدن كبيرة كبريستول وليفربول وغلاسكو, كلها كانت من الموارد القادمة من المستعمرات البريطانية.
أشار جوزيف انكوري في كتابه (الافريقيون والثورة الصناعية في انكلترا) إلى الدور الكبير الذي ساهم به الافريقيون (الأحرار والعبيد) في تنمية القطاع الصناعي البريطاني.
كما كتب الاقتصادي مالاتشي بوستليثويت في عام 1745: إن النهضة التجارية والاقتصادية في بريطانيا اعتمدت أصلاً على الموارد والمنتجات الاقتصادية والبشرية الافريقية.
لقد استطاعت أوروبا الحصول على المعادن الثمينة كالذهب والفضة نتيجة هيمنتها على العالم الجديد ومن المستعمرات في آسيا ,ولقد سعت أوروبا وخاصة بريطانيا لاستبدال المنسوجات الأوروبية بالعبيد الافريقيين بالتعاون مع تجار العبيد وعمدت إلى بيعهم في سوق العالم الجديد محققة أرباحا طائلة ساهمت إلى حد كبير في تطور أوروبا وتقدمها, تمكنت شركة الهند الشرقية من الهيمنة والدخول في العمق الآسيوي وحصار الصين في القرن التاسع عشر .
لقد ساهمت افريقيا في تطور الاقتصاد العالمي, والأوروبي بشكل خاص, إذ إن افريقيا تقدم مواد أخرى إضافة إلى المواد التي سبق ذكرها كزيت النخيل, النفط, النحاس, الكروم, البلاتين والذهب.
ومما يجدر ذكره بأن الحكومة البريطانية التي تنتقد اليوم الديكتاتورية الافريقية وفساد الحكومات قد تناست بأنها هي التي ساعدتها في الوصول إلى السلطة في أوغندا وأنها دعمت الجنرالات النيجريين في عام 1970 بهدف تحقيق المصالح النفطية لبريطانيا في نيجيريا .
من دواعي الاستغراب نجد, بأن كلا من صحيفتي التلغراف وديلي ميل اللتين كانتا تؤيدان إيان سميث رئيس نظام الأبارتين في روديسيا, وسياسة التمييز العنصري في جنوب افريقيا قلقتان الآن على ما تتعرض له حقوق الإنسان في زمبابوي.
إن ادعاء أوروبا برغبتها بتحقيق الديمقراطية في افريقيا لا يقترن بالجهد اللازم لتحقيق الديمقراطية , إذا أخذنا باعتبارنا ما تعرضت له الكونغو من مأساة كانت بسبب ألك دوغلاس المسؤول البريطاني الذي اتفق مع الرئيس الاميركي في عام 1960 على اغتيال القائد باتريس لومومبا الذي اختاره شعب الكونغو لقيادته .
فالعبودية ليست متأصلة بالقارة الافريقية وانما هي عالم انشأته بريطانيا والدول الاستعمارية .
من دواعي الاستغراب ما نلاحظه ان المنظمات والمؤسسات التي تدعي بأنها ضد التمييز العنصري وتنادي بالعدالة الإنسانية لم تكن على مستوى ما تدعو له, وتجلى ذلك في الأسس والقواعد غير المتكافئة للتمييز بين العرق الأبيض والعرق الأسود في مجالات عديدة كالتعليم والتوظيف والعدالة وغيرها من الأمور .
وفي هذا السياق, نجد أن قمة الثماني التي عقدت في شهر تموز لمناقشة الاوضاع في قارة افريقيا وتقديم المعونات والمساعدات لم تختلف في توجهاتها عن النوادي والمنظمات التي تحرص على حقوق الرجل الأبيض حيث يلاحظ أن تلك القمة تابعت أعمالها دون أن تأخذ سبيلها في تقديم المساعدات الفعلية الحقيقية التي تحتاجها افريقيا .
لهذا كله, على بريطانيا أن تقدم الاعتذار والأسف للشعوب الافريقية التي استغلتها وسلبت ثرواتها .
محاضر في جامعة كامبريدج