تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تعــاريج الفتــاة اللعـوب

ملحق ثقافي
الثلاثاء 16/1/2007
رافائيل ريرول _ ترجمة: دلال ابراهيم

يبرز اسم الروائي ماريو فارغاس يوسا كأحد أهم الكتاب والأدباء الذين أسهموا في إحياء وإعادة تجديد الأدب الأمريكي-اللاتيني خلال عقد الخمسينات. واستطاع هذا البيروني المتأنق-المولود في العام 1936، بما يمتلك من موهبة أدبية وكتابات تطرح خلفها الأثر والعبر والمعاني المتعددة،

والمتعدد اللغات، أن يجتذب لنفسه جماهيرية واسعة، حتى خلال أوقاته المتعرجة في دروبه السياسية، التي بدأها في الحزب الشيوعي، لينتقل بعدها الى اليمين الوسط، ويختتمها في مغامرته كمرشح لم يحالفه الحظ للانتخابات الرئاسية في البيرو عام 1990. ولكنه، وبالتأكيد، لا يتربع ليوسا على عرش أعظم الروائيين في أمريكا اللاتينية الذين يتميزون بأناقة الاسلوب، ولا بأعظم الكتاب الابداعيين فيما يتعلق بإدراكه وإحساسه للعلاقات الانسانية. بل يبقى روائياً رائعاً، غزير الانتاج، نال شهرة واسعة في روايته «الخالة جوليا والمستكتب»، وروايته «المدينة والكلاب»، وكذلك الرواية الحديثة «عيد الكبش». كما ويعتبر أحد أهم أقطاب القصة من خلال هيكليته السرية ووسائله التي تقود الى تعلق القارىء بالرواية. وقليل هم الروائيون الذين ألموا مثله بمعرفة استمالة القراء، فهو يبدو في كتاباته، وكأنه يبوح لهم بما معه في آذانهم، فيثير التوق لديهم، وكل ذلك ضمن إطار من المهارة والبراعة، تحول دون نشاز كل ذلك. وتبدو محاولة ماريو فارغاس ليوسا في آخر رواية صدرت له خلال فترة غير بعيدة، وتحمل عنواناً غير مألوف هو «دورات وعطفات الفتاة الخبيثة» في الظاهر بسيطة، ولكن في حقيقتها تندرج ضمن السهل الممتنع. إنها سرد حياة راو الى أول شخص وبأسلوب تسلسلي لا تنبىء بأي مخاطرات غريبة ولا بأي عمل باهر بارع. ريكاردو سوموكورسيو مواطن بيروفي له من العمر كما نتخيل نحن، يروي حكاية تنقله من بلد الى آخر، منذ سنينه الأولى من العمر التي أمضاها في الحي الراقي ميرافلور في العاصمة ليما، وحينما اشتد عوده، تنقل في عدة أماكن من باريس المدينة التي أحبها بشكل خاص الى مدريد مروراً بلندن وطوكيو. وهو لا يستقر في مطرح لأسباب مهنية، ولكن هاجسه الوحيد منذ خروجه من بلاده كان الالتقاء «بالصغيرة التشيلية» التي التقاها في سنين شبابه الأولى في أحد أماكن التسلية في ميرافلور. وأياً كان اسم تلك الفتاة، ليلي؟ آرليت؟ مدام روبرت آرنو؟ مسز ريتشارردسون؟ وأياً كانت هي هويتها وجنسيتها فقد أضحت تلك الفتاة المتجمدة العواطف، المخادعة، اللعوب، النقطة الرئيسية في حياة بطل الرواية وهو الراوي، وأكثر من ذلك، غدت فكرته الراسخة، محنته، مرحه القليل والحقيقي وكذلك ضياعه. إنه باختصار الوجد والهيام. كيف استطاع ليوسا بناء تلك الرواية، انطلاقاً من قصة مختصرة بسيطة، وتجنب الوقوع في فخ الرتابة؟ تعتبراللهجة التي سرد فيها الراوي ريكاردو حكايته أحد المفاتيح الأساسية التي استخدمها يوسا بحرفية، وتميزت بأنها لهجة صرفة قاسية في الجزء الأول من الرواية، وكأن يوسا كان يريد من خلال استخدام مفردات خاصة أن يشير الى شباب ذلك الراوي. ويرصع فارغاس يوسا روايته بكلمات ومفردات غريبة ووهمية، تتعارض مع اللهجة العامة المستخدمة، ولكنها تأتي في موقعها. ونتج عن ذلك حالة من القحة الكاذبة، والاخضرار المصطنع، سلطت بالأضواء الاصطناعية على التحولات المفاجئة التي عاشها ريكاردو سوموكورسيو «وتلك هي مفارقة، لأن هذا الجزء، أي الجزء الأول من الرواية، هو الأهم كونها أشبه بالوثائقية، لأن البطل يتذكر فيها الأعوام الباريسية الماجنة لشباب أمريكي لاتيني، كان هو جزءاً منها». ولكن، تلاشت واختفت تلك المفارقات، في سياق السرد، وظلت تلك الرواية بعيدة نوعاً ما عن التقليدية، سواء في لهجة أو عواطف الراوي-أياً كانت الانتهاكات المرتكبة هنا أو هناك. وكلما تقدمت شخصية الراوي الى الأمام أصبحت الرواية أكثر مأساوية. وقد انتهى النص الروائي الى التجانس مع بعضه، والى التماسك المنضبط. وأثار في آن واحد الضحك والتأثر. وعلاوة على ذلك، أدخل فارغاس يوسا الكثير من القصص الثانوية، من خلال رواية الحب والخيانة في علاقة البطل مع معشوقته، ذات الوجوه المتعددة، من تلك القصص حكاية راندي خوان باريتو، الذي توفي بمرض الايدز أمام الآخرين، وكذلك قصة سالمون توليندو البشع العجيب، أو المنحرف المخيف الياباني فوكودا. وكافة الشخصيات الثانوية التي تتميز بالحيوية وبالقريحة العجيبة في السرد المستطاب، تجعلنا في مداها ننسى بقية الرواية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية