وفي كل حوار يجرى معي يكون السؤال الأول: ما رأيك بمصطلح الأدب النسائي?!
وبلغ بي نفاد الصبر والضيق حداً لا يحتمل, لدرجة صرت اتخيل أننا على أبواب حرب عالمية ثالثة وشيكة الوقوع بين الكاتبات والكتاب.
لدي رغبة متحدية أن أضيف لمسات أخيرة حول هذا المصطلح المبطن بالكثير من الافكار والنوايا, فخلف هذا المصطلح الذي يبدو بريئاً (الأدب النسائي) ثمة نفق معتم لابد من إلقاء ضوء الحقيقة الكاشفة عليه, لأن لا معرفة ولا شفاء دون مواجهة الحقيقة.. وأحب أن أذكر بعض الأمثلة الواقعية لأنها أقدر على التعبير من الكلام المدجج بالنظريات..
أولاً:أرسل أحد الشعراء الشباب قصيدة إلى مجلة ثقافية معروفة لكن لم ينشروا قصيدته, وحين حاول أن يستفهم عن سبب رفضها قالوا له -عن طريق وسيط- إنها دون المستوى.
فقام بتغيير عنوانها, وأرسلها للمجلة ذاتها بعد شهر باسم مستعار لانثى, فنشرت القصيدة!! وأنا شاهدة على هذه الحادثة, لأن صداقة تربطني بذلك الشاب الطموح والموهوب فعلاً.. لا أظن الحادثة تحتاج لتعليق!
ثانياً: ذات مرة كنت مدعوة إلى سهرة ثقافية طعامية (إن امكنني استعمال هذا التعبير) تضم نخبة من كبار الكتاب والنقاد, وصدف أن كانت صبية في العشرينيات من عمرها تحاول أن تشق طريقها في عالم الكتابة, وبالفعل كانت قد نشرت بعض الخواطر المشبعة بالعواطف والاحلام المجهضة, وبدا أنها مسحورة بنزار قباني, وكل ذلك طبيعي كشابة مبتدئة, لكن مما لا شك فيه أن شكلها أجمل بما لا يقاس من كتابتها..
وكانت تلك الحسناء المتشاعرة محط اهتمام وتركيز كبار النقاد, وطوال السهرة انهالت عليها كلمات مديحهم كمطر.. بل إن أحد النقاد شرب نخبها وهو يقول لها أنت جورج صاند العرب!!
ما أقوله معروف في الوسط الثقافي, فالإفراط المتعمد في مديح كتابات النساء, يعادل تماماً إهمال تلك الكتابات, والنظرة إليها نظرة دونية -كلاهما- المديح والاهمال- وجهان لعملة واحدة - هي النظرة إلى أدب المرأة على أنها أدنى من أدب الرجل..
أستغرب كيف أن ناقداً مهماً, يسفح ليتر نبيذ وهو يشرب أنخاب شابة خربشت بضعة خواطر مستقاة من كلمات نزار قباني ويقول لها أنت جورج صاند العرب..
ولا يخفى على أحد أن أحد كبار كتابنا, وهو شيخ الرواية قد مر بمرحلة غريبة أنه انهال بمديح عجيب غريب لرواية كاتبة شابة لم يسمع بها أحد غيره, ولم يفتتن أحد بكتاباتها غيره!! بينما الكثير من الروايات المهمة والممتازة والتي صدرت لجيل من الشباب لم يلتفت إليها!!
إن مصطلح أدب نسائي مصطلح ناقص, ولا يجب تناوله إلا بالبدء بتحليل وضع المرأة في مجتمع ذكوري, مجتمع لا يزال فيه الذكور يسيطرون على المنابر الثقافية, وعدد لا بأس منهم ينظرون للمرأة كتابع للرجل, وبأنها أدنى مرتبة ذهنية وعقلية منه..
صحيح أن الكثير من الكاتبات حققن إنجازاً لافتاً في الكتابة, واثبتن جدارتهن ومنافستهن للكتاب, لكن تظل هذه حالات فردية..
لكن يظل الجو العام الثقافي -الذي هو تحصيل حاصل للواقع الاجتماعي- موبوءاً بأفكار متخلفة تنظر للمرأة الكاتبة والمتحررة أنها سهلة, ويلجأ الرجل هنا إلى أنجح وسيلة في العالم وعبر التاريخ لكسب النساء وهي المديح.. أو الكلام العسل.
وفي هذا السياق لابد أن أعرج على سلوك بعض الكاتبات اللاتي يتعاملن مع بعضهن تعامل نسوان..
وكيف أنسى مشاركتي في ندوة ثقافية بإحدى الفضائيات وكانت الحلقة عن الأدب والنقد.. وكالعادة كان لابد من التعريج على مصطلح الأدب النسائي..
كنا أربع كاتبات وناقد مسكين, وأقول مسكين لأنه وجد نفسه في فخ شجار مسف ومخجل انفجر بين كاتبتين, وكانت كل واحدة تشتم الأخرى شتائم لاذعة قريعة, شتائم تدور كلها حول فكرة واحدة أن كل واحدة تتهم الأخرى أن لديها العديد من العشاق!!
يومها صعقت معدة البرنامج من المستوى السوقي وغير المتوقع أبداً لكاتبتين تخزنان بأعماقهما ذلك المخزون من ردح الشتائم..
إذاً الكاتبة تهين كاتبة أخرى بأن تتهمها بشرفها..
طبعاً لا يجوز التعميم, لكن أظن هذه الحوادث والمفاهيم مختبئة خلف اليافطة الأنيقة لمصطلح (أدب نسائي)..
وأخيراً, وبما أن السيرة انفتحت, هل يخفى على أحد نموذج بعض الكاتبات النرجسيات, اللاتي يعشقن ذاتهن, ويفتتن بكل عبارة يكتبنها, بل إن إحداهن صرحت مرة في إحدى لحظات نشوتها بذاتها بأنها أهم كاتبة عربية! وبأن أسلوبها مسكر لجماله, وإن لم تدع إلى مؤتمر ثقافي, تتهم المنظمين للمؤتمر بأنهم لا يدعون إلا الكاتبات (صاحباتهن) كما لو أن المؤتمرات الثقافية (كاباريه)!
وإذا شاركت بمسابقة ولم تحصل على الجائزة, تتهم اللجنة بعدم النزاهة والتحيز.. وذات مرة شاركت بمسابقة رواية, وكانت الجائزة دسمة, لكنها اعطيت لكاتب عراقي, فجن جنونها وأكدت أن الكثيرين أكدوا لها أن الجائزة كانت لتعطى لها, لكن بما أن الشعب العراقي يرزح تحت ظروف طاحنة من نهر الدم والعنف, فقد أعطيت الجائزة لكاتب عراقي!!
يا سلام, يا سلام أية نرجسية هذه..
وإذا صدف أن لم ينشر لها أحد الناشرين عملاً فذاً كتبته, تتهم كل الكاتبات اللاتي نشرن عنده أنهن صاحبات الناشر!!
هذه بعض النقاط الضرورية لإلقاء الضوء على النفق المعتم خلف مصطلح أدب نسائي.