هي قصص مجموعة (إغواء)
للأديب حيدر حيدر بين الواقع والمتخيل ..بين الذكر والذاكرة.. بين الحدث والحديث (استعيد علاقتي الفرحة الطفولية بمشهدها وهي تطير مزهوة فوق الحقول البحرية). من قصة البومة الذهبية.
يعتمد فيها السرد الانتقائي في الحكاية والقصة واللغة والغاية.. فكم في حياتنا من القصص التي نجهل حقيقتها وأشياء نكرهها وهي نافعة.. وكم من الحكايا التي تخلق وهي بعيدة عن الواقع قيلت على لسان جاحد واستمرت وسوى ذلك كثير.
وحكايا الصيد ما أكثرها (كلها حلوة ومثيرة) وما أكثرها في قصص وروايات الأديب حيدر فهو يثيرك ويشوقك بعبقرية وصفه لتلك اللحظة الدقيقة التي تحتاج لجميع الأحاسيس والمدركات.
فالوصف وجماليته واللغة السهلة الغنية بمفرادتها والكلمات الموسيقية التي تشكل الجملة الشعرية أحياناً تجعلك منفرداً على مقعدك غير آبه لما يدور حولك وأنت تتابع بنهم السطور لتتعرف على النهاية التي تتمنى ألا تأتي.
في كل قصة حين تنساب الكلمات بعذوبة تتابع الأحداث وتلاحق الخطوات المستعجلة حيناً وراء الحدث الذي يبدو صغيراً فيأخذك إلى عالم واسع يشدك ويبهرك بعوالمه الفنية لتتراكب الخواطر ضمن تجلياته.
كما في قصة (التطهر) من أدران الروح وهي تحمل في طياتها الكثير من المنغصات فتدخل في صراع للتخلص منها فتظهر تارة على شكل حلم وتالية واقعاً متجسداً لرجل فاسق - فاسد حملته الصدفة لموقع مرموق لا يستحقه.. حتى يصبح كابوساً - ينغص ولا دراية للتخلص منه (هكذا بين مد البحر وجزره, بدأ تجديد الخلايا بالعودة إلى التطهر بالدم القديم)
كيف للمرء التطهر من أحلامه الكابوسية ورغباته السامية وجموحه الذي لا يوقفه الدم النازف من أي كان بشراً أم حيواناً.البعض لا يهدىء روعه المجنون سوى الدم.
في قصة:( يوم بكى البحر) وصف مؤلم للقتل بأبشع الوسائل لأسراب السمك دون وعي ولا رحمة. لكن رغم الدم الذي اختلطت به مياه البحر وتلون كانت الذاكرة تشتعل بذكريات تلك المرأة التي لا تنسى...?! أحياناً في اللحظات الجميلة نتأسى...?
(هو كان في ذلك الزمن في حقل الرمي, وهي كانت في حقل الشهوة وضجيج الجسد, كلاهما الآن على حافة السماء ويهويان في فراغ من الحزن والمرارة والقنوط المطلق).
كثيراً ما يعتمد الأديب حيدر حيدر في كتاباته السرد المباشر في أحيان الخطف خلفاً في عرض الأحداث وحكاية القصص. وهنا يدخل في عالم الذاكرة والتخيل ودمجهما مع الواقع بصورة تجعل القارىء مثاراً بأحداثها. تسبر أعماقه النفسية وتلقي الضوء على جوانبها المختلفة.
ويلاحظ القارىء تنوع الاتجاهات لدى حيدر حيدر ويجمع فيها طاقات متعددة فيدرس الحالة الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات الإنسانية واصفاً إياها وصفاً دقيقاًَ مستخدماً حبكة القصة المعقدة حيناً والبسيطة متحاشياً الأحداث العجيبة.
ولم يترك حيدر طبقة إلا وتحدث عنها والعلاقات فيما بينها فاضحاً أسرارها موجهاً نحوها الأضواء لفضح عريها. كاشفاً الجوانب السيئة الشريرة وموجهاً نحو الأفعال الخيرة.
(بدت أحلامه وتصوراته ملونة مديدة. بناء الإنسان الجديد والوطن المضيء المحرر من الخرافة والجهل والدين تحت مصابيح العقل والعلم والديمقراطية.) قصة /نداء الدم/
فيما يخص الكتابة لدى حيدر حيدر يظهر النضج والوعي الفني لديه وهذا يجعل قصصه تؤدي أدوارها المختلفة - تاريخياً - وايديولوجياً.
ومنها /حكايات النساء/ المختلفة التي تبحث في قضايا المرأة ودورها والمواقف التي تتخذها وموقف المجتمع منها كما تحيكها القصة التي تحمل المجموعة عنوانها (إغواء) (بدت على تخوم المراهقة وهو كان رجلاً على عتبة الخمسين.. قريباً من حافة الهاوية).التي تتحدث عن مشكلة آلاف الفتيات اللواتي يسقطن في حبائل المجتمع ويتحملن وزر أفعال رجاله والنتيجة لهن الضياع والتشرد والإفلاس.
( الحياة تبدو أحياناً خدعة أو عبثاً وربما لا ندري ذلك إلا بعد فوات الأوان).
وهي حياة الكثيرين الذين يمضون فيها نحو الأحلام الوردية التي يتخيلونها ويستيقظون منها متأخرين... بعد أن تكون أفول الشمس قد غربت..
وكذلك قصة (دنس) تحكي مأساة امرأة أخرى من نساء هذا الوطن البائس المدنس بخطايا أبنائه: (شد ما بدت تلك المرأة مجروحة, وجرحها يكاد يفيض من شفتيها ومن نوافذ الاحتقان المسدود في كهوف الروح المظلمة).
وعليه فإن الأديب حيدر حيدر ينوع بيئات قصصه ولا يركز على واحدة بل ينتقل من البحر للبر ومن السهل للجبل وما من مرة ترك ساحات النضال إلا وتحدث عنها واصفاً بصدق وعفوية المقاتل والمناضل الذي نذر نفسه وروحه للوطن وهو يحرك الأحداث أمامك كأنها تعرض على شاشة فوق الصخور الحادة والمنحدرات وسط الغابات هنا وهناك كما في (التموجات التي تنوعت قصصها وتعددت - من مشهد رمزي خاص من سيناء 73 -اعتراض المدينة - الانسحاب - الليلة (12) بعد الألف.) ,تلك مجموعة (إغواء) للأديب حيدر حيدر - إصدار دار ورد 2005 وقد كتبها بدم جرح نازف بلا توقف وحزن لا يخبأ وألم لا ينضب فيها ما يستحق التوقف عنده الكثير.