من قطاع غزة ومن لبنان أكثر من أي عام آخرسديروت ومحيطها تلقوا في السنة الماضية أكثر من ألف صاروخ قسام من غزة, وإبان الحرب أُطلقت على المناطق الشمالية في الدولة 4 آلاف صاروخ. الخسائر والأضرار كانت صغيرة بالمقارنة مع تلك التي لحقت بنا في الحروب الماضية وفي العمليات الانتحارية. ولكن الصواريخ جرّت إسرائيل إلى تمديد فترة القتال في لبنان وأقنعت رئيس الحكومة أولمرت وأغلبية الجمهور أن الانسحاب من مناطق أخرى في الضفة الغربية وفي الجولان خطير.أولمرت دفن خطة الانطواء التي كان قد طرحها لسبب واضح: بامكان إسرائيل أن تتعايش مع سقوط الصواريخ على سديروت, وكذلك مع الصواريخ في الشمال لفترة محدودة, ولكنها ستجد صعوبة في تحمل صواريخ القسام التي تسقط على القدس وتل أبيب. كان من الممكن إغلاق الميناء والمصافي في حيفا لمدة شهر لوجود منشآت بديلة في أسدود, ولكن ليس هناك بديل لمطار بن غوريون ولا لمقرات الحكم والتجارة والثقافة في غوش دان والقدس. لذلك يصعب الحديث عن انسحاب ملموس في الضفة يؤدي إلى سحب الجيش الإسرائيلي من المناطق المطلة والاستراتيجية قبل إيجاد حل لصواريخ القسام. المؤسسة السياسية والأمنية في إسرائيل أخطأت في فهم المغزى الاستراتيجي للصواريخ. استخفوا بها وأسموها )أشياء متطايرة( وكأنها خُردة من خردوات العصابات. من الصعب أن يتأثر الإنسان كثيرا من ماسورة فولاذية مملوءة بالسكر وبعض المواد المحترقة المندفعة بالمقارنة مع السلاح المتطور الموجود في الترسانة الإسرائيلية. ما هي كل هذه الأسلحة بالمقارنة مع طائرة اف16 ومروحية الأباتشي والقنابل الذكية التي يملكها الجيش الإسرائيلي? ولكن قوة القسام لا تنبع من تكنولوجيته وإنما من الجمع بين الإطلاق المكثف وانعدام وجود أسلحة مضادة فعالة لدى الطرف الآخر. عمليات القصف والاغتيالات في قطاع غزة ووقف إطلاق النار كذلك لم توقف إطلاق الصواريخ.
القسام الأول أصاب إسرائيل في الثاني والعشرين من شباط 2002. خمس سنوات مضت منذئذ كان بالا مكان خلالها تحسين وتطوير التحصين والحماية في التجمعات السكانية الموجودة في غلاف غزة, وتطوير نظام لاعتراض الصواريخ. حسب رأي الخبراء من الممكن خلال عامين تطوير أول منظومة دفاعية ضد القسام أو الليزر. المنظومة لن تغطي إسرائيل كلها بمظلة دفاعية مُحكمة, ولكنها ستقلص الإصابات والأضرار. ولكن قادة الجيش ووزارة الدفاع اعتبروا ذلك إهدارا للمال.
انعدام الإحساس العسكري يبدو غريبا في وقت لاحق. أولا, التهديد كان معروفا - إسرائيل هوجمت في الماضي بالكاتيوشا في الجليل وفي بيسان. ثانيا, الجيش الإسرائيلي حذّر من وجود آلاف الصواريخ لدى حزب الله, ولكنه طور ردا فقط على الصواريخ بعيدة المدى وأهمل صواريخ الكاتيوشا الأقل مدى. ثالثا, في الجيش أدركوا أن كي الوعي هو الذي يحسم الحروب وليس عدد القتلى وعدد القذائف التي أُطلقت. هذه الاستخلاصات لم تُترجم إلى عملية بحث عن رد ملائم لصواريخ القسام.
خلال المداولات الأخيرة التي أجراها شارون قبل ساعات من انهياره, ضرب على الطاولة وطالب جهاز الدفاع بطرح أفكار جديدة لمواجهة صواريخ القسام قائلا ان هذا الوضع لا يمكن أن يتواصل على هذا النحو, قالها صارخا. وزير الدفاع عمير بيرتس حذّر, وكان مُحقا, بأن هذا الصاروخ البدائي سيتحول إلى تهديد استراتيجي, وأنه بانتظار توصيات الجيش حول المنظومة الدفاعية. أولمرت أيضا أجرى مداولات حول هذه القضية.أولمرت و بيرتس ملزمان بوضع تهديد الصواريخ في مستوى عالٍ والبحث عن رد متنوع, عسكري وسياسي, عليه. الرد يجب أن يسعى لإنقاذ سديروت وعسقلان وكذلك لإعادة حرية الحركة السياسية للحكومة. من دون هذا الرد سيجد رئيس الوزراء صعوبة في تجسيد وعده بترسيم حدود ديمغرافية جديدة لإسرائيل وإنزال المستوطنين عن قمم الجبال.