تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشكيل... في رحيل الفنان عزيز إسماعيل..دور ريـادي في الرســم الواقعــي..

ثقافة
الاربعاء 20-11-2019
أديب مخزوم

خسرت الأوساط الفنية والثقافية الفنان الرائد عزيز إسماعيل (من مواليد انطاكية عام 1927) الذي رحل صباح الاثنين 18ـ 11ـ 2019, بعد صراع طويل مع المرض، ومنذ البداية برز كأستاذ في الفن الواقعي,

متمكناً من التشريح والنسب والمفاهيم الصارمة، حيث كان يبحث عن الأداء العقلاني المدروس والموزون، في خطوات البقاء في حدود الشكل الإيضاحي, الذي يحرك الظلال والألوان، ويمنح الأشكال المرسومة المزيد من الحيوية، ويوجه الفنان لإضفاء الألوان المتوهجة القادمة من تأملات انعكاس الضوء على الوجوه النضرة، والتعبير عن الحالة النفسية التي تعيشها الشخصية، التي كان يفضل أن يجسدها في أكثر الأحيان بألوان زيتية على كانفاس.‏

جدارية الوفاء‏

وهذا يعني أنه كان يرسم ضمن أصول وقيود ويذهب نحو تحسس نشوة النور والإيقاع اللوني الهادىء، المتتابع في فراغ السطح التصويري، والقائم قبل أي شيء آخر على طريقة التقاط الانعكاسات الضوئية, مع إعطاء أهمية لدفق الحالة الشعورية التي لابد أن تترك أثرها على سطح اللوحة.‏

والمعروف انه والى جانب اتجاهه لاستعادة جماليات رسم الموديلات الحية، قام بانجاز لوحة الوفاء التي تتصدر مبنى الاتحاد العام للفلاحين في دمشق بمشاركة الفنانين الراحلين علي السرميني وجريس سعد, والتي تعتبر من أكبر اللوحات الجدارية الفسيفسائية في سورية، حيث قام باخراج العمل ورصف القطع الفسيفسائية بمساعدة ولديه علام وأدهم, مستعيداً أسرارالتقنيات الفسيفسائية العريقة، التي تحفظ القطع الملونة بألف لون ولون، من تقلبات المناخ ولمسات الريح والمطر وتؤكد شاعرية التواصل مع نبض التراث الحضاري ونبض العصر. مع الاشارة ان تأملاته للاعمال الفسيفسائية القديمة التي اختزنتها ذاكرته من مشاهداته لتراث انطاكية الغني على حد قوله باللوحات الفسيفسائية الجدارية القادمة من عمق الازمنة القديمة شكلت المدخل الحقيقي لتحسس ودراسة واكتشاف اسرار ومراحل و تقنيات هذا الفن العريق شأن شقيقه نعيم.‏

إحاطة بجوانب الشخصية‏

هكذا ظلت الوجوه في برنامج يومياته بمثابة مرآة تعكس الحالة الداخلية والنفسية في الملامح, وهذا يعني انه وقبل المباشرة بالرسم يقوم بدراسة الجوانب المتعددة، التي لعبت دورها في حياة الشخصية المراد رسمها، حتى يستطيع الافصاح بالظل والنور والنسب ومختلف التعابير الصادقة، التي يمكنها ان تريح عين المشاهد وتجعلها قادرة على الاحاطة بجوانب داخلية خفية في الشخصية المجسدة في فراغ السطح التصويري. فإذا اردنا تحليل لوحاته الواقعية من وجهة نظر تشكيلية وتقنية (وبالاخص لوحات الوجوه) التي قدمها خلال مسيرته الفنية الطويلة، فإننا نجده يجنح في أكثر الاحيان نحو معاينة سمات الأصل برزانة وهدوء وعقلانية, ودون ان يقع في فخ التأثيرات التسجيلية السهلة، وذلك لأنه يركز لإضفاء اللمسة الفنية المعبرة في نهاية المطاف عن أسلوبه وأحاسيسه ومشاعره الداخلية. لاسيما التي يجسد فيها الوجوه النسائية والطفولية النضرة والتي تحسن تلقي النور وتعكس جمال المرأة وبراءة الطفولة مع جنوح نحو عفوية اللمسة وكثافة اللون في محاكاة سمات الاصل بوضوح وانسجام واداء عقلاني مركز، حيث يبرز الدمج الحيوي بين الاداء الاكاديمي والواقعي ويعمل على صياغته واظهاره بحيوية وبحركة تعبيرية منفتحة على ايقاعات اللون الحديث، على الاقل في ابتعاده عن النعومة المتبعة في الرسم الواقعي الاستهلاكي، واظهار تقنيات الرسم الزيتي ضمن اطار البحث عن فضاء جمالي موزون ومدروس وخارج نزعات التأويل والتنظير والاجتهاد اللامحدود، فاللوحة بالنسبة له، رغم واقعيتها تشكل الدافع الاول لإيجاد الركائز, التي تحقق الاداء الذاتي, في خطوات مواجهة الموديل الحي، وتحسس ايقاعات اللون وكثافة المادة، وضمن مواصفات العمل الفني الحامل مسحة واقعية واكاديمية.‏

شهادات وتكريمات‏

وفي عودة الى مرحلة بدايات الفنان الراحل عزيز اسماعيل نشير إلى انه قام بتدريس نخبة الشباب في مركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية مايقارب الخمسة وعشرين عاما، وكرم في مهرجان المحبة في دورته الثانية عشرة، الى جانب نشأت الزعبي ولبيب رسلان، اضافة لحيازته على شهادات شرف تقديرية من وزارة الثقافة عام 1968، واتحاد الصحفيين عام 1992، ونقابة الفنون الجميلة عام 1997، والمهرجان الخامس للثقافة والتراث عام 1998.‏

هكذا برز عزيز اسماعيل كصاحب دور ريادي في الرسم الواقعي، ومن يعود الى الكتاب الذي أصدرته الكاتبة سهام ترجمان عام 1986 تحت عنوان: جبل الشيخ في بيتي، يكتشف مدى قدرته على ملاحقة أدق التفاصيل، رغم أنه في لوحات أخرى منشورة في الكتاب، كان يقترب من التشكيل الرمزي، ولوحة غلاف الكتاب تدخل ضمن هذا الاطار. إضافة لدوره الإيجابي والطليعي في التدريس الفني، وخاصة في مركز أدهم إسماعيل، بطرقه المنهجية الأكاديمية، ومع ذلك ترك لطلابه الحرية في إضفاء اللمسات الذاتية على اللوحة، وذلك لتأكيد الخصوصية والتفرد في العمل الفني.‏

facebook.com adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية