بانورامية لتاريخ الأدب المسرحي في سورية منذ الرواد وحتى الكتاب الشباب، وتم توزيعها على 26 كتاباً، في مسيرة امتدت أكثر من قرن، وهي رصد للتحولات التي طرأت على النص المسرحي السوري، من الناحية التقنية الكتابية، أو لناحية الموضوعات المواكبة للتغيرات الاجتماعية والسياسية في المجتمع السوري، هذه المجموعة تتيح للقارئ الحصول على موسوعة مصغرة ربما تكون مؤشراً يحث الباحثين والفنانين والمهتمين حتى المسؤولين الرسميين لتوثيق الحركة المسرحية السورية، التي لم تلق نصيبها الذي تستحقه من الاهتمام.
من هذه المختارات، سنتعرف على أحد هؤلاء المسرحيين، لنلقي ولو بقعة ضوء، ربما تصبح يوماً بقع أكبر نتعرف من خلالها على مسرحنا.. السوري العريق.
عبد الوهاب أبو السعود: (1897 - 1951)
يعتبر أبو السعود، كاتباً متقدماً عن أبو خليل القباني، مؤسس الحركة المسرحية في سورية الذي بدأ من القاهرة، فكان هاو ولم يدرس المسرح أكاديمياً بعكس أبو السعود الذي درس التمثيل في القاهرة على يد الفنان جورج أبيض، واطلع على مقومات المسرح الحديث في العالم.
في مسرحية (وامعتصماه): 1944 يذهب أبو السعود إلى التاريخ لإثارة حماسة الجمهور من خلال حادثة صارت مضرباً للمثل في التاريخ وقعت بعهد الخليفة العباسي (المعتصم)، وعالجها بطريقته ورؤيته، وتصرف بها بحرية، مسرحية يفوح منها العبير العربي، ويحث الذاكرة على التمسك بها.
خليل هنداوي: (1906 - 1976)
انحاز هنداوي إلى الأسطورة، فالتفت إلى الأساطير الاغريقية القديمة معولاً على فكرة: أن الأسطورة إن كانت شرقية أم غربية هي مادة مسرحية، جذابة، ومثيرة للمحاكاة، ومن خلالها يمكننا تفسير الأفكار والمعتقدات الضاربة جذورها في حياة الإنسان تجمل بصدق وصراحة كل ما كان يعتمر ويخالج قلب وعقل الإنسان منذ البدء.
النصوص المسرحية السورية المبكرة لا تخرج في مجملها عن استلهام التاريخ واستنفار الأحداث المؤثرة، والجملة الصوتية من نوع «ثكلتك أمك» و«أصبح في نظري أقل ضعة من الحمير وأصغر عقلاً من البعير».
ولعل الانعطافة الحقيقية في كتابات الرواد جاءت مع حكمت محسن (1910 - 1968)، القصاص الشعبي، أول من أدخل اللهجة المحكية إلى المسرح السوري، وأدار ظهره للمعالجات التاريخية المتكلفة، ليبتكر شخصيات شعبية قريبة من منطق الحياة اليومية (الحارة - الشارع) في مفارقات كوميدية ساخرة تستدعي روح مسرح تشيخوف على نحو خاص في مسرحيته (صابر أفندي) هذه الشخصية الشعبية التي تعيش صعوبة الحياة، وتناقضاتها القاسية، بسبب صعوبة الحياة اليومية المعيشية، فهو خادم في بيت أحد الأغوات وينتقم لنفسه بالسخرية من شخصيات المجتمع الراقي، من هنا يدخل الحياة اليومية للناس، في حس شعبي، ليعكسها على المنصة مرآة تعكس وجوهاً وشخصيات لم تكن تلق حظاً من الحضور في المسرح، فكتب: «أبو زينب بياع الحلاوة» و«بيت للإيجار».
حكمت محسن، هو مؤسس المسرح الكوميدي في سورية، وسار على طريقه الكاتب وليد مدفعي الذي مزج في نصوصه الفصحى والعامية، كما في مسرحيته (وبعدين).
في مطلع الستينيات يقتحم محمد الماغوط الحركة المسرحية، ليفاجئ المشاهد السوري ويدهشه بكم كبير من الجرأة والنقد، يحمل الحسرة والغضب والنبوءة رافضاً أن يبيع صوته وقلمه للمزادات، فجاءت مسرحيته الأولى «العصفور الأحدب 1960» كبيان ساخط، فيتجاوز صورة الجلاد والضحية ويتحول العالم إلى سيرك كبير، أتى الماغوط إلى المسرح مثل «قائد يسير خلفه جيش مهترئ منكوب»، ويستحضر في صقر قريش نكبة الأندلس، وفي نصوصه اللاحقة يؤسس لمسرح النكتة السياسية باعتماد الأغنية والاسكتش والمانشيت الساخن، ويزدهر المسرح ويجد على شباك تذاكره المئات.