, صار لمتلقي الإرسالية الإعلامية دور فاعل وهذا الدور أنيط به مكراً لكي يشعر أن دوره يتعدى دور المتلقي السلبي إلى دور المتلقي الفاعل والقادر على صناعة الإعلام, الذي يسيطر على حياته
. هذه المشاركة أقنعتْ المتلقي والمتابع بالموضوعية والمصداقية التي يستميت الإعلام ليحوزها وهو يعرف أنّه صار الدفة التي توجه ميول المشاهدين الذين هم بالنهاية أصوات انتخابية سواء أكانت حرة أو موجهة وأفواه مستهلكة تتلقف كل ما تقدمه لها الشاشة إذ صار المتلقي حصالة تخلق النقود بل صار بذاته مادة خام تعادل مصادر الطاقة.
الرغبة بالمشاركة, جعلتْ من الأفلام الوثائقية تنافس الأفلام المتخيلة وكان قد سبق ذلك ما يمكن تسميته بتلفزيون الواقع, حيث الحياة كما هي. اعتقد أنّ الكثير يعرف مقدار الخداع الموجود في ما يُسمى تلفزيون الواقع ومع هذا يُنحى الحكم الموضوعي تجاه الرغبة الكبيرة لدى الإنسان بالتلصص على حياة الغير وكون التلصص مصدراً للمعلومة الخاصة, فهي تعطي للمتلقي المشاركة الكبيرة وكأنه الآن يمسك بدفة القيادة.
تنبه القائمون على وكالات الأنباء لهذا ولاحظوا أن مصدر الحدث عندما يؤخذ ممن هم داخل الحدث!؟ وليسوا عاملين لديهم يحوز على الإقناع بدرجات كبيرة, فظهر مفهوم كل إنسان هو صحفي أو مصدر معلومات وبدأت الألقاب تُعطى لهم, كناشط حقوقي وشاهد عيان, وضحية ومشاهد رأى بالعين وسمع بالأذن ونُحلت لهم كمصدر, القدرة على إعطاء الإرسالية الإعلامية وتكمن ميزتها أن المتلقي يتلقى الخبر كأنه يتلقاه من ابيه أو ابنه أو جاره وهؤلاء يتم تصديقهم لا شعورياً لأن الإشاعة تكمن سرعة نقلها باعتمادها على مصادر معلومات لا تشك أبداً بعدم مصداقيتها وهنا يكمن مربط الفرس الذي يتم من خلاله تصنيع هؤلاء واقناع المتلقي بأنهم من دائرته الضيقة ومن ثم تحميلهم الإرسالية الإعلامية المطلوبة من أجهزة التحكم, فالخبر هو سلعة وهو مصدر يدر المال, إذ يوطد بُنى مشاريع مستقبلية أو يهدم مشاريع قائمة لصالح منافسين آخرين, فخبر صغير عن إغلاق مضيق في العالم يسبب ارتفاع اسعار النفط, فكيف بحرب!؟.
اليوم الخبر لوحده لا يكفي بل يجب أن يُدعم بمصادر حقيقة له وأكثر بل تصنعه وكل ما عليك أن تخلق شخصية افتراضية ولو كان وجودها مجرد رابط صغير على النت ومن ثم تعمم هذه الشخصية لتكاد تصبح كشخصية المفتش بوارو عند أغاثا كريستي وهذا لا يحدث بين ليلة وضحاها بل تم التأسيس لها مطولاً ويُزرع جذرها في رحم الواقع حتى يُصبح شجرة في لحظات من تاريخك استظليت بأخبارها وما أن يحين دورها كالخلية النائمة تُفعل.
يحمي هذا المصدر الإخباري بعد أن أخذ شرعيته في الواقع, الجهة الإعلامية من المساءلة وبنفس الوقت يؤمن المصداقية للمشاريع التي تتبناها وحتى تتكشف الحقائق وضمن سرعة العالم اليوم الذي يمطرنا بأخباره, والمكنة الهائلة لتجعل الخبر يُستهلك لمرة واحدة دون ردّ فعل؛ تصبح مناقشة موضوعيته كمن يحارب طواحين الهواء, فعندما يسري السم في الجسد إلى أن تجد الترياق وإن حدث يكون ما أعطب قد أعطب.
الخبر اليوم هو طاقة غير منتهية كاليد التي تحول كلّ شيء لذهب, كذلك المتلقي المتوهم مشاركته دجاجة تبيض الذهب!؟.
للمرة الأولى في التاريخ تصبح الثرثرة الإخبارية التي تمطرنا بها كبرى وكالات الأخبار والمحطات الإخبارية أكبر مصدر للمال ولحسم النزاعات بين الدول الكبرى والأهم استعباد الشعوب عن طريق جهاز التحكم الذي تشعر معه أنّك سيد مطلق ومن يدس على طرف ثوبك تلغيه بكبسة زر, كم أنت أحمق أيها المشاهد!؟.
bassemsso@gmail.com