تهدف لدراسة البنيات المتحكمة في الخطاب الأدبي دون التقيد بنوع أدبي محدد, يمكن تسميتها بالشعرية أو كما عرفها « كيبيدي فارغا» ومن خلال ما سبق يمكن اعتبار مقاربة «هروشوفسكي» ملائمة, فالشعرية هي الدراسة النسقية للأدب كأدب, إذ تعالج قضية: ما الأدب والقضايا الممكنة المطورة منها؛ ما الفن أو ماهي المظاهر الخاصة لآثار الأدب وغيرها.
وعليه فمدار اشتغالها: هو الأدب من حيث هو إبداع ونستطيع أن نقول: إن الرواية هي الميدان المفضل للشعرية, من حيث كون هذا الجنس الإبداعي, بحسب مخائيل باختين, توليفاً, وشكلاً غير منجز, أو خليطاً من الأجناس التي سبقته وباعتباره يشغل مكانة هامة بفعل قابليته للقراءة على نطاق واسع ومن هنا ساهمت الرواية في تطوير النظرية الأدبية وتوسيع آليات اشتغالها.
يتناول الناقد الفرنسي « فانسون جوف» في كتابه « شعرية الرواية» وهو إذ يقوم بذلك يوطد قدميه في أرض بدأت مع أرسطو ومع المؤسسين الأوائل للشعرية الشكلانيين الروس وما طوره النقاد الأمريكان ك « إ. أي. ريتشارد» والإنكليز والفرنسيين ك « جينيت و تودوروف».
تعددت الطرق التي قاربت الشعرية, فمن دراسة الخطاب الروائي وآليات اشتغاله إلى الاهتمام بالبنيات السردية إلى «تودوروف» الذي وصف الخطاب بحيث صار الخطاب معادلاً للنص وصارت اللغة نقطة البداية إلى المنظر الأكبر لها, «جيرار جينيت» من خلال كتبه: ثلاث صور.
يهدف فانسون جوف في كتابه إلى التأويل والتفسير, فهو لا يتوقف عند مكونات النص وطبيعة حركته أو وصفه وذلك عبر إدخال مجالات معرفية أخرى توسع دائرة التحليل, إذ أدرك قصور الشعرية بربط الرواية بعالمها المرجعي, فهو يدخل, علم النفس والمنهج السوسيولوجي ونظرية التلقي وغيرها, مؤكداً إن التوقف عند مكونات النص واشتغاله دون ربطه بمرجعيات عديدة لا يعدو أن يكون تحليلاً مكانيكياً بارداً, يلغي البعد الجمالي, فالنص الروائي أكثر من ذلك, فالرواية, ليست متخيلاً يسترفد من متخيلات أخرى ويتصادى معها, وإنما نص يؤلف الروائي, آخذاً بعين الاعتبار رؤية الروائي للواقع, فالرواية ليست انعكاسا للواقع وإنما إبداع فني يشكل فيه المرجعي الواقعي مدلولاً.
يقول « رومان ياكبسون»: إذا كانت الدراسات الأدبية تهدف بحراكها أن تصبح علماً, فعليها الاعتراف بالإجراء كشخصيتها الوحيدة وأضاف لأن السؤال الأساسي, هو سؤال حول التطبيق وتعليل الإجراء, فهذا المسعى الذي يتحالف فيه التحليل والتأويل سيكون موضوع هذا الكتاب.
الجزء الأول من الكتاب, يركز على تحليل الأبعاد المختلفة للرواية, فيتناول النص الموازي للمحكي الذي ينعقد به عقد القراءة, كعتبة الرواية وتتضمن العنوان ومظهر الرواية والتوطئة للمحكي والاستهلال وكلها شروط تسهل وتساعد وترشد القاري لينجز عقد القراءة.
وفي الجزء الثاني يتناول؛ جسد الرواية أي البنيات التي تتألف منها ويدرس بذلك السرديات في ظلال «جيرار جينيت» حيث ينصب الاهتمام على الدال وما يستتبع البحث في طبيعة الراوي, هل هو كلي المعرفة أم حيادي لا يعرف أكثر مما تعرفه الشخصيات؟ ومنه ندخل لتمثيل السرديات في المسافة والتبئير والزمنية والوصف ومنه ينتقل إلى قلب الرواية, المحتوى, القصة, ففيه يحلل بنية القصة وعنصريها, الحبكة والشخصية ودراسة مفاهيم, النسق العاملي والدور التيماتي والبرنامج السردي, مقدماً دراسة للشخصية من الناحية السيمولوجية باعتبارها, علامة والسيميائية باعتبارها وظيفة, والسيميو-تداولية باعتبارها أثراً للقراءة في الجزء الثالث.
ويتناول في الأجزاء الأخرى, خطاب الرواية: التلفظ ويدرس فيها الذات والتناص والخطاب الساخر والحقيقة الروائية بدراسة السمات التي يتركها المؤلف بالنص وأيضاً في الجزء الأخير يتناول القارئ في الرواية مع ملحق تعريفات.
تتميز الدراسة بمروحتها الكبيرة والتي تدقق في التفاصيل بحيث تقدم دراسة إجرائية تطبيقية للنظرية الشعرية على الرواية, فيكثر «فانسون جوف» من الأمثلة من الروايات بحيث يجد التنظير مجالاً لتطبيق رؤاه وكأنه بذلك يحقق مقولة: « رومان يكبسون» إن الدراسة لكي تتخذ اتجاهاً علمياً لا بد أن تعتمد الإجراء والإجراء هو التلاحم بين النظرية والتطبيق.
شعرية الرواية, كتاب للناقد الفرنسي فانسون جوف ترجمة لحسن حمامة صادر عن دار التكوين لعام 2012
Bassemsso91@gmail.com