تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العالم الافتراضي يبدع...

كــتب
الأربعاء 8-8-2012
باسم سليمان

الحكاية تنتسب للشفاهية, لصائت القول, للحديث كفعل تبادلي بين واحد أو أكثر. هدفها العبرة والنتيجة, فهي تهتم بالبيت أكثر من الطريق, هي من الكلام وليست من اللسان؛

إن قلنا: إن اللسان هو اللغة في حالتها التجريدية كما سوسيور, في حين الكلام وإن ربطنا مفهوم باختين حول اللغة أنها زمكانية في نسق اجتماعي معين, فيصبح الكلام أو الحديث, يخدم الحكاية أكثر؛ تدعم بملامح المتكلم وإشاراته الصادرة عن جسده وتموضعه في المكان من علو أو توازي أو انخفاض كعلاقة مع السامع أو المتحدِث الآخر وعادة ما تنجز حالة تشبه وحدات المسرح التي تكلم بها أرسطو وثار عليها شكسبير.‏

الرواية, تنتسب للكتابة, لصمت الحبر, حواريتها باختينية, بينها وبين ذاتها, أقرب للسان من الكلام, تعوض بالسرد غياب الشخص الحكاء كوجود مادي محسوس, بكل تجلياته, لذلك هي كتلة هائلة من الكتابة وتكاد تنجز واقعاً بديلاً عن الوجود, فالتخييل لديها معادل لفعل الخلق كن. تقوم الرؤية خاصتها على ابستيمولوجية معرفية وهي ممتدة في الزمن والمكان بحالة جذمورية تشابه تشعبات الحياة .‏

أسباب المقارنة‏

تعود هذه الأسباب للوقوف على رواية سعد سعيد «فيرجوالية» وهو لفظ منحوت من العالم الافتراضي الذي أوجدته الشبكة العنكبوتية, حيث اكتفى سعد بأن خط محادثات, سواء على الفيس بوك أو الماسنجر, بين الروائي أنس حلمي وشخصيات عديدة, تبدأ بالوحدة الإلكترونية «SSR2981957-TS » وانتهاء بها وبين القوسي المحادثة يسجل لنا الروائي أنس حلمي ما سجلته له هذه الوحدة الإلكترونية بغية نشره وفضحه مع مجموعة من النساء والأصدقاء من«روح هائمة » و« ميساء سليم » وغيرهن وضمناً هذه المحادثات, تبغي إقامة علاقات عاطفية للطرفين هرباً من واقع ومن ثم صناعة واقع آخر بناء على هذه المحادثات.‏

وبهذه الطريقة ينجز سعد سعيد رواية تقوم على المحادثة فقط حاذفاً كل معطيات الرواية, فلا فضاء مكاني وزمني أو وصف أو بنيات سردية, ولا بولفونية لغوية ولا كتابة على كتابة كما يقول بارت أو تناصية وفق جوليا كريستيفا ولاحتى موت المؤلف كما يقول بارت, بل التأكيد عليه من حيث هو الروائي صانع الحوار, فلا يبقى للمتلقي غير التلصص وإنجاز مقارنة بين محادثاته ومحادثات أنس حلمي وكأن سعد يعود بنا للحكاية وللصائت والاستماع, مقدماً شفوية تتبدى بالصوت المكتوب.‏

لعبة خطيرة يقدمها الروائي سعد سعيد ولكنها تفتح السؤال, عن علاقتنا الآنية مع هذه الشفوية الجديدة التي جعلتها سرعة الاتصال, تتميز عن شفوية صائته مكتوبة, سواء الرسائل كالتي كانت بين غسان كنفاني وغادة السمان أو جبران خليل جبران ومي زيادة والحمام الزاجل بين ابن زيدون وولادة وحكاية الجدة ولكن هناك فواصل زمنية كبيرة وبنفس الوقت يفتح سؤالاً آخر؛ هل من الممكن أن تنجز هذه الشفوية المكتوبة, سردية روائية أم تبقى مجرد محاولة تجريبية, لن تظهر نتائجها قريباً!؟.‏

شفوية كتابية‏

قدمتْ لنا ثورة الاتصالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثة, نوعاً ليس جديداً كفكرة بل كشكل وخاصة لجهة تتطابق الزمن بين المتحدثين سواء الكتابي أو الصوتي أو الصوتي والصوري في حالة واحدة, من خلال شاشة كأنها نافذة وليست شباكاً, تصل المتحدثين وما استتبع ذلك من ردود فعل آنية ولحظية وكأن المتحدثين موجودان قبالة بعضهما البعض, اي عودة الإشارة والتلميح ولكن كتابة وبالتالي إفراز ما يمكن تسميته, الرد الفوري على القول الذي نعرفه كما في الكلام المباشر.‏

ولكن عندما ترقن هذه الكتابة الشفوية بعيداً عن المتحادثين ماذا يبقى منها!؟, فهي تعاني بالأساس من مقولة نهر هيراقليتس « ليس بإمكانك أن تستحم بماء النهر مرتين» وهذا يعني عكس مفعول الكتابة كضدية لهذه المقولة بحيث تستحم بماء السرد متى تريد وتعاني من الابتسار, بغياب آلية السرد المتبعة وأكثر ضياع ما يؤمنه التواجد العيني للمتحادثين مع لعبة الاسماء المستعارة والشعور بأن هذا الوجود أشبه بالاحتلام فلا يؤمن إلا تخفيف الضغط في حين الممارسة الفعلية للعلاقة بين الذكر وما تؤمنه من رضا وقيام أسرة ومجتمع, لذلك كان سعي المتحادثين في ما رقنه أنس حلمي للقاء في الواقع وهنا السؤال, ماذا لو أتيح لما يقدمه الخيال العلمي من رؤى بأن تتحقق, فهل يبقى السعي للواقع كما هو الآن!؟.‏

البيت وليس الطريق‏

تحمل الرواية في طياتها أسئلة عديدة من مثل: ما المقدار الذي يؤثر به هذا العالم الافتراضي على واقعنا, ومادام المصنِع هو القوي, قضمناً نحن نقع تحت استلابه وهذا ما قالته الوحدة لأنس حلمي وحواره مع صديقته التي تنجز بحثاً عن تأثيرات ثورة الاتصالات على عالمنا الثالث, العلاقة الحاصلة حاليا مع يمكن تسميته « السايبر» أي الذكاء الصنعي وما تم طرحه من وأنجز أو مازال متخيلاً, فهل يكون الصراع القادم مع الآلة وهذا ما قدمه الغرب في الكثير من السرديات والأفلام والبحوث والنقاشات.‏

قلنا البيت والسبب أن الرواية تتقصد نتائج معينة من رفض أنس حلمي العلاقة العابرة والعودة للأسرة والعائلة والإشارة لأهمية هذه الثورة في النواحي الإيجابية كالحديث مع اخته المغتربة وهنا تتمظهر كحكاية لكن كونها كتبت, تسمح لنا بقراءة أكثر تأويلية لموضوعها وكأن سرده ينوس بين الكلام واللسان.‏

ولكن..!؟:‏

بعد قراءة الرواية والتلصص من القارئ والمقارنة بين المحادثات وما حصل معه كقارئ, نسأل, هذه الرواية قد تعني من يعرف هذا العالم الافتراضي ولكن كم نسبته لدى متكلمي اللغة العربية !؟ هل تقيم المحادثة لوحدها صرحاً سردياً, الإجابة, قد تشفع لها التجربة والمغامرة, نعم يؤمن المصل حاجة المريض من الطعام ولكن هل يصح أن نلغي الجهاز الهضمي كله وما يتبعه من استقلابات و دوران الدم والشهوة وكم سيتبع ذلك من تعطل الكثير من مناحي الوجود عندما نخرج الطعام من وجود الإنسان والشيء الآخر, الرواية حتى تنتج فعاليتها تحتاج لقارئ مميز, لديه هذا القلق من هذا العالم الافتراضي لكي يستشف الأبعاد المطروحة من المحادثات الجارية فيها وقد أضعف هذا العالم للقارئ العادي وغير المختص غياب السرد بمحاميله كلها كأسلوب هدم وبناء, فالمحادثة أقرب لشيفرة, تستخدم حبرين, الأول ظاهر والثاني خفي وهو الذي يحمل المضمون أي الطريق وليس البيت.‏

ولكن إن قيام الوحدة «SSR2981957-TS » بإنجاز متخيلها الخاص من وجود أنس حلمي, يعني موت المؤلف الإنسان كاملاً وتحول الرقن كميزة خاصة بالإنسان للآلة, الحوار الدائر بين الوحدة وأنس حلمي, حوار هويات لن تجده مع الأشخاص الآخرين الذين هم بشر, فهناك صراع هويات جديد والشيء الآخر الأتمتة التي تتم للبشر عن بعد بواسطة هذا الذكاء الصنعي أي نحن في مابعد بعد الكولونيالية كمنتج ما بعد حداثي.‏

تعددت التجارب العربية بمقاربة هذا العالم الافتراضي وأخذت أشكالاً عديدة وبغياب الانتشار الواسع لهذا العالم واقتصاره على أشياء محدودة, بقيت هذه التجارب محدودة الانتشار وبقيت التجربة مرهونة لتغير الظروف. وهنا لابد من القول أن حكاية سعد سعيد, قبل المراهنة على التجريب وخط سردية جديدة, تحتمل الكثير من المخاطر وتحتمل فتح أبواب سردية جديدة وفي النهاية, الرواية وإن كانت غايتها التخييل, فهي تزيد اليابسة أرضاً وهذا لوحده كاف, لنجرب ونجرب.‏

Bassemsso91@gmail.com

فيرجوالية رواية سعد سعيد الروائي العراقي, صادرة عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر لعام 2012‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية