تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دعوة للتأمل والتفكير في رحلة البحث عن فضاء أزرق!!

كــتب
الأربعاء 8-8-2012
البحث عن فضاء أزرق في أزمتنا الحالية ضرورة بقدر ما هي نافذة للخروج منها، «وسوق الصفن» مدعاة للتأمل والتفكير فيما حدث ويحدث، وقد استعار المؤلف د. علي القيم اسم كتابه من سوق قديم موجود في مدينة اللاذقية، نسبة الى جبل الصفن الذي يقع شمال مدينة أوغاريت، وكان فيما سبق مقراً للآلهة كان مازال مدعاة للتأمل والتفكير..

استطاع الكاتب أن يوحد بين التراث والثقافة والفنون والآثار، ليخرج بثقافة ميسرة لا غموض فيها ولا تعالي ثقافة مختصرة تقرب ولا تفرق، تدافع عن قضية الانسان والحضارة في سورية والوطن العربي، وتبحث عن العلم بلغة بسيطة، تطرد الظلام ولاتحرق الأصابع، تجمع بين الماء والنور والقدرة على الوجود والعقل، ولاتقبل المساومة على أهمية ما لدينا من كنوز دفينة وروائع جميلة تستحق بجدارة أن يكون لها دورها الكبير بين معالم التراث العالمي الإنساني..‏

تأملات عديدة اجتمعت في كتاب «سوق الصفن» وامتدت باتجاهات مختلفة عبر زمن طويل لترصد بعض الحالات الانتمائية والوطنية، إضافة لرصد عواطف أدباء وكتاب تشتعل بمحبة وطنهم سورية، والتوغل عميقاً في أسرار الأدب العالمي ليصل الكاتب والباحث الى أولئك الغربيين الذين أحبوا سورية، وليكشف كم من القلوب تخفق بمحبتها.. وينقلنا عبر جولة متأنية ومتفحصة، بين قضايا ومواضيع غاية في الأهمية ولها أبعادها التي تستحق الوقوف عندها مطولاً، كالأغنية الشعبية وتفاعلها في الموسيقا العربية بصفتها أكثر ألوان الغناء التصاقاً بالناس، وخصوصاً تلك التي لها جذورها القديمة، ونقد التشويه والاقتباس الذي تعرضت له، مع الإشارة إلى بعض التجارب الناجحة التي قام بها البعض من مثل « أبو بكر خيرت، حليم الضبع، صلحي الوادي، عطية شرارة....» وذلك في معالجة صياغات آلية جديدة لبعض أغنيات وألحان الأغاني الشعبية العربية، ولواستمرت هذه التجارب لكان لها تأثير كبير على موسيقانا، إضافة إلى تعبيد الطريق أمام أنماط جديدة رائعة... لأن التجارب الجدية والمفيدة والتي كانت تقوم بشكل علمي على غرار ما فعل سيد درويش توقفت، وهذه أشياء لها بعدها المستقبلي، كما أن خطر الخلط والدمج بين الموسيقا الغربية والعربية سيفقد أثر العربية في أذهان العرب، مستشهداً بقول المستشرق الفرنسي «كاردباي فو» الذي قال:« إن من واجب الملحن العربي أن يستمد فنه من مظاهر المادة التي تحيط به وأحوال البلد الذي يعيش فيه، لا من نواح أجنبية غربية، لأن ذلك قد يؤدي إلى إفلاس في سلامة الذوق الفني لدى الجمهور المستمع.. فمن الضروري الاعتماد على الموروث الموسيقي الذي ورثناه عبر قرون طويلة، منتقداً الأغنية العربية التي وصلت إلى مستوى الرداءة والهبوط، بعد أن وصل خطها البياني الى القمة، أسلوب استخدمه كبار أدباء التاريخ كالجاحظ هو الاستطراد، كما فعل الباحث مستطرداً بعواطفه ليتحدث عن البناء والعمل وتطوره التاريخي وأهميته الحضارية في سورية، إضافة إلى الأدب ومن اشتغل فيه بأسلوب شائق ممزوج بعمق التاريخ، حتى ولو غلب الطابع الأدبي على الطابع الواقعي مثل جورجي زيدان، وكذلك محمود أمين العالم، ومحمد الماغوط ولعل الحس الوطني الذي تخلل منهجية الكاتب العلمية جعله يستحضر شخصيات ثقافية هامة من التاريخ العربي لها أهميتها وحضورها الثقافي والاجتماعي مثل الأحنف بن قيس وغيره من الخطباء والمفكرين العرب بغية المقارنة والتحريض على النهوض بواقع الأمة...‏

ولم يغفل الكتاب الأوروبيين فأورد بعض صفات الأدب عند الكاتب والفيلسوف والمؤرخ البريطاني « ارنولد توييني» لأنه ناضل الى جانب قضايا الشعوب المضطهدة والمستعمرة كشعب فلسطين، وندد بالصهيونية متمرداً على الكتاب الغربيين في زمنه.‏

تعتبر المقالات والنصوص الأدبية الموجودة في الكتب، دعوة لإعادة الاعتبار للثقافة من خلال الحوار الفكري والعالمي والاطلاع على العلوم الإنسانية والاجتماعية، وانتشار التعددية الثقافية والوعي وتعايش الثقافات هادفاً من ذلك إلى خلق ثقافة عربية تتحكم من المحافظة على كينونتها أمام كل المحاولات، مشيراً إلى محاولات الصهيونية منذ الأيام الأولى لاكتشاف ايبلا ومحاولة ربطها بالتوراة، مؤكداً أن العلماء رفضوا هذا الادعاء من مثل ادموند سوبرجيه وغيره..‏

وجدير بالذكر أن الكاتب حيادي في أسلوبه الأدبي والثقافي، من خلال بحثه عن معظم الكتاب الذين تعاطفوا وكتبوا لسورية ولقضايانا العربية بشكل تطبيقي، ويقدم لنا المادة بطريقة شائقة ومليئة بالمفاجآت والطروحات الهامة.‏

الكتاب-سوق الصفن - المؤلف- د. علي القيم - منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب - الكتاب في 302 صفحة من القطع الكبير.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية