فإدوارد سعيد يرى (أن الدلالة الأكثر تقبّلاً للاستشراق دلالة جامعيّة (أكاديميّة)) ، فكل من يقوم بتدريس الشرق، أو الكتابة عنه، أو بحثه ـ ويسري ذلك سواء أكان المرءُ مختصاً بعلم الإنسان (أنثروبولوجي) أم بعلم الاجتماع أو مؤرِّخاً أو فقيه لغة (فيلولوجيّاً) ـ في جوانبه المحدّدة والعامة على حدّ سواء، هو مستشرق، وما يقوم هو أو هي بفعلهِ هو (استشراق) ويرى سعيد أن مصطلحاً مثل: الدراسات الشرقيّة، أو الدراسات الإقليميّة هو أكثر تفضيلاً من (الاستشراق) لدى المختصين لسببين أوّلهما أن هذا المصطلح لا يزال مصطلحـاً غائماً وعـــاماً، وثانيهمـا أنّه يتضمّن الموقف التنفيذي السلطوي للاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ويخلصُ سعيد إلى ما يشبـــه تعريفاً مُحـدّداً للاستشراق فيقول: (يمكن للاستشراق أن يُناقش ويحلّل بوصفِهِ المؤسسة المشتركة للتعامل مع الشرق ـ التعامل معهُ ـ بإصدار تقريرات حوله ، وإجازة الآراء فيه وإقرارها، بوصفِهِ، وتدريسه، والاستقرار فيه، وحكمه وبإيجاز ... الاستشراق كأسلوب غربي للسيطرة على الشرق، واستبنائه وامتلاك السيادة عليه).
ويرى محمود زقزوق أن الاستشراق هو علم العالم الشرقي وهو ذو معنيين: الأوّل معنى عام يطلق على كل غربي يشتغل بدراسة الشرق كلّه، من أدناه إلى أقصاه، في لغاتِهِ وأديانِهِ وآدابِهِ وثقافاتِهِ، والثاني هو معنى خاص ينحصِرُ في الدراسة الغربيّة المتعلقة بالشرق الإسلامي في لغاتِهِ وتاريخِهِ وعقائِدهِ. ويرى د . شكري النجار أن الاستشراق هو أسلوب غربي لفهم الشرق والسيطرة عليه ومحاولة إعادة توجيهه والتحكم فيه .
ويؤكد أدونيس أن المصطلح عام، وأن ثمّة مستشرقين فكّـــروا عـربيّاً، أكثر من المفكّرين العرب أنفسهم، مثلاً (جاك بيرك) كان مستشرقاً ، لكنني أعده مفكراً عربيّاً خدم العرب بشكل يفوق ما قدّمه كثير من المفكرين العرب ، ويمكن القـــول: إن المفكّر العربي (ابن خلدون) على سبيل المثال، كان بلغة الاستشراق مستشرقاً لأنه انتقد بعض الممارسات أو التقاليد العربية، الخطأ هو الإلحاح على المسألة السياسيّة في النظر إلى الاستشراق).
وعليه فإننا نجد ما يشبه الاتفاق عند كثير من الباحثين العرب أن المستشرقين عموماً (هم مجموعة من الناس منهم أساتذة وباحثون أكاديميون يعملون في ميادين الدراسات الشرقيّة فيدرسون العلوم والفنون والديانات والآداب والتاريخ وكل ما يخص شعوب الشرق كالهنود والفرس والصينيين واليابانيين والعـــرب وغــيرهم من الشعوب).
وعلى كلِ حال فإن هذهِ الظاهرة التي لا نستطيع أن نحدّد بدايتها الحقيقيّة بدقة، والتي انطلقت أساساً بشكلٍ عفوي وكان الهدف منها التعرّف إلى الشرق، سرعان ما أصبحت حركة منظّمة لها كوادرها ومؤسساتها المتعددة ويمكن أن نقول: لها مدارسها؛ فالاستشراق الفرنسي والإنكليزي يختلف عن الإسباني والروسي، والروسي مثلاً يختلف عن الألماني ... وما إلى ذلك ، كما أن عديداً من الدوافعِ المختلفة تكمنُ خلف الاستشراق منها الدوافع الدينيّة والاستعماريّة والاقتصاديّة والعلميّة وآخرها المعرفيّة.
وقد توسَّل الاستشراقُ عديداً من الوسائل واستخدَمَ كثيراً من الأدواتِ لتحقيق غاياتِهِ المتباينة ويمكن أن نذكر منها: الرحلات والزيارات إلى الشرق، العمل الجامعي ( بما يعنيهِ من معاهد متخصصّة في شؤون الشرق، وتدريس، وكراسٍ للدراسات الشرقيّة ، ومؤتمرات وندوات وتنظيم المحاضرات وغيرها ) وجهود نشر الكتب والمعـــاجم والموســـوعات، والعمـــــل الصحفي وإصدار الدوريّات المتخصصّة، بالإضافةِ إلى جهود المستشرقين الجبَّارة في أعمال الترجمة وفي دخول بعضهم إلى المجامِعِ العلميّة العربيّة وخاصة اللغويّة منها (المستشرق هاملتون جب العضو المؤسس في مجمع القاهرة، د. طمسون رئيس المجمع اللبناني العلمي 1847، كارلو نللينــــو عضو مجمع القاهرة، لويس ماسينيـــون، عـضو مجمع القاهرة، ألفريد جيوم عضو المجمع العراقي... إلـخ ).