وتحت نفس العناوين البراقة والخادعة التي يستخدمها الغرب عادة لتبرير أفعاله وتصرفاته العدوانية في سياق أسلوب ذر الرماد في العيون وتشويه الحقائق وتقديم المجرم كحمامة سلام، احتضنت العاصمة البلجيكية بروكسل في الأيام القليلة الماضية ما يسمى مؤتمر المانحين الخاص بسورية، حيث وضع منظمو المؤتمر الذي تشارك فيه الأمم المتحدة كعادتها كشاهد زور، عنوانين جاذبين لتبرير هذا الحشد الدولي الكبير من الداعمين للإرهاب: تمويل احتياجات النازحين السوريين في الداخل والخارج، وتنشيط ما يسمى الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي للأزمة في سورية، في الوقت الذي تضع فيه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية كل العراقيل السياسية والاقتصادية والعسكرية أمام حل مشكلة النازحين ومساعي الحل السياسي التي تقوم بها دول صديقة مثل روسيا والصين وإيران.
المؤتمر الذي يعد السابع من نوعه في هذا المجال، حاول عبثاً ارتداء قناع الإنسانية من خلال رصده ـ على الورق وفي البيانات الرسمية المعلنة ـ بضعة مليارات من الدولارات لتغطية ما يسمى احتياجات ما تم تقديره بـ 11.7 مليون سوري هجرهم الارهاب من قراهم ومدنهم بدعم وتواطؤ إقليمي ودولي، وإذا ما قيس المبلغ الذي تعهدت به «الدول المانحة» وهو سبعة مليارات دولار بحجم التسليح والتمويل الذي حصلت عليه الجماعات الارهابية وحجم الدمار الذي ألحقته هذه الجماعات بسورية جراء إجرامها وتخريبها، حيث قدرت كلفة إعادة الاعمار حسب العديد من الدراسات بأكثر من 400 مليار دولار، فإن المؤتمر يشكل فضيحة مدوية لمنظميه الذين شوهدوا وهم يذرفون دموع التماسيح على معاناة الشعب السوري، ولا سيما أن بعض الدول المجتمعة التي حضرت المؤتمر ـ وخاصة الخليجية ـ كانت سخية جداً في تقديم الدعم والتمويل للإرهابيين، وبحسب اعترافات وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثان الشهيرة فإن السعودية وقطر قدمتا ما يقرب من 137 مليار دولار على نية تدمير سورية، في حين أن الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك بكثير.
منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارك لوكوك الذي حضر المؤتمر قال: «بدون ضخ أموال بشكل كبير وفوري فإنه من المحتمل أن تتوقف بنود توفير الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى وخدمات الحماية المنقذة للحياة»، وهذا يعني أن الأمم المتحدة مدركة تمام الإدراك للنتائج الكارثية التي ترتبت على دعم الارهاب في سورية حيث يعد ملف النازحين أحد ابرز تداعيات هذه الحرب الارهابية، إذ يقتصر دورها على إبداء القلق والتحذير في الوقت الذي تعارض فيه الدول الغربية حسم هذا الملف عبر تأمين عودة كريمة لهؤلاء النازحين إلى بلادهم، وتتمسك بإجراءاتها الاقتصادية القسرية التي تضر بمعيشة وحياة السوريين داخل وطنهم، كجزء من سياسة الضغط على الدولة السورية لإرغامها على تقديم التنازلات في ملفات الحل السياسي والصراع العربي الصهيوني.
لو دققنا في العدد المعلن للدول المشاركة في مؤتمر بروكسل ما يقرب من 85 دولة ومنظمة دولية لوجدناه مشابهاً لعدد الدول التي دعمت الارهاب على سورية طيلة السنوات الماضية، وهذا يعد شكلاً من أشكال النفاق السياسي الوقح الذي لا يمكن تبريره ببعض الشعارات الإنسانية الزائفة، فمن يدعم الارهاب في سورية ويشن الاعتداءات العسكرية عليها ويعرقل الحل السياسي ويطبق سياسة الحصار الاقتصادي على شعبها، لا يصلح بأي وجه لتقديم الدعم الإنساني، وهو أبعد ما يكون عن الإنسانية فكيف إذا كانت دول مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا ابرز رعاة المؤتمر ومنظميه..؟!
اللافت والمثير للاستغراب في هذا المؤتمر هو تغييب الجهة الرئيسية المعنية بقضية النازحين أو المهجرين أي الدولة السورية التي تستضيف العدد الأكبر من هؤلاء النازحين داخلياً بفعل الارهاب، في حين حضرت الدول التي تتاجر بموضوع النازحين السوريين وتوظفه لمصلحة أنظمتها السياسية القائمة، وهي الدول المرشحة للحصول على الحصة الأكبر من الأموال الممنوحة كمساعدات باسم اللاجئين، كونها تقيم مخيمات لهم بأوامر وإيعازات غربية وترفض حل هذه القضية في الإطار الثنائي مع الدولة السورية بنفس الأوامر والايعازات، والجميع يعلم أنها دول تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة وتتلقى مساعدات مالية من دول غربية لقاء أدوار وظيفية تقوم بها في المنطقة، ما يجعلها أكبر المستفيدين من أزمة اللجوء كونها تدر عليها مبالغ ضخمة من قبل الدول الداعمة للإرهاب في سورية، وهذه المبالغ ستصرف بلا شك على مشاريع خاصة تحوم حولها شبه الفساد والصفقات المريبة والتي ليس أقلها تدريب وتمويل إرهابيين، في حين لا يتلقى اللاجئون منها سوى النزر اليسير، بدليل الظروف الصعبة وحالات الامتهان والإذلال التي يتعرضون لها في تركيا ولبنان والأردن ومصر وغيرها من الدول، في حين تحتجز الولايات المتحدة الأميركية وهي من رعاة المؤتمر ومموليه وأكثر الجهات التي تتبجح بالدعم الإنساني قرابة خمسين ألف نازح سوري في مخيم الركبان بظروف لا إنسانية قاهرة وتمنع عودتهم إلى مدنهم وقراهم، وتفشل كل المساعي التي تبذلها الدولة السورية لتأمين عودتهم الكريمة إلى بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم.
إن نظرة سريعة على ما جرى في المؤتمر وخاصة خطابات النفاق التي تشدق بها بعض المشاركين تؤكد إصرار الدول الغربية بسياسة الفوضى والإرهاب والعقوبات الاقتصادية بحق الدولة السورية لمنع الوصول إلى نهاية سلمية للأزمة التي تواجهها، وما أزمة النازحين التي تتم إثارتها إعلامياً من حين لآخر سوى ورقة من أوراق الضغط المستخدمة بحق الدولة السورية لتمرير بعض الأجندات العدوانية التي فشلت الحرب العسكرية في تمريرها، حيث لا يمكن الوصول إلى حل هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة إلا بتعاون كافة الأطراف مع سورية عبر العمل على إنهاء الحرب الارهابية والمساعدة في إيجاد حل سياسي يراعي مصالح السوريين قبل غيرهم، وقبل ذلك التوقف عن دعم الارهاب ورفع سياسة الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تقف عائقاً كبيراً أمام عودة النازحين إلى بلادهم، ودون ذلك فإن كل ما يقوم به الغرب هو مجرد تضييع وقت وتمديد للحرب ولكل الأزمات التي نجمت عنها.