وسينسحب ذلك على هوية المجتمع، حدوده الجغرافية وثقافته القائمة وكذلك مصادر تلك الثقافة التي ساهمت في تكوين تاريخه وموقعه في العالم، وبهذا المعنى فإن ثقافة المجتمع تدل على (هويته) وأن الهوية تشير إلى نوعية المجتمع. ومصطلح (الحداثة) الذي استيقظ في عقود من عمر المجتمع وإن كانت حقيقة الحداثة بمسيرتها التاريخية الدائمة هي التي أحدثت خرقاً في مراحل الزمن المستمر هذه الحداثة هي الانعتاق والتحرر عبر التاريخ، فهل يكون تحقيق (الهوية) مناقضاً لمفهوم (الحداثة) أم أن واقع الأمر يستوجب تزامن الحداثة مع الهوية؟.
ويمكن القول بأن روح الهوية يكون في إخلاصها للبيئة والتاريخ، بينما الحداثة تؤدي إلى الخروج إلى الكون الواسع وإلى ما يمكن اعتباره الاهتمام بالمستقبل. وربما تكون الحداثة في تجاوزها للحدود التي رسمتها الهوية لنفسها أو قيدت بها، هي الواصلة لتقديم هوية مجتمع ما للآخر ولأجزاء كثيرة من هذا العالم. ولهذا تتسع رقعة هذه الهوية.
وإذا وجد من يقول بتحقيق الهوية على انه مناقض للحداثة أو متعارض معها فإنه قد يصب مؤقتاً أو نظرياً، إلا أنه سيهمل وينسى نيّة تلك الحداثة من سعي حقيقي إلى خروج الهوية من حدودها والانطلاق إلى أفق أرحب. ويؤكد هذا على أهمية تلك الهوية في حوارها مع الهويات الأخرى للشعوب والمجتمعات. وبمعنى ما فإن (المحلي) أو (البيئي) بطبيعة تكوينه يرغب مخلصاً في الوصول إلى (العالمي) أو (الكوني)، وتلك هي حقيقة الإبداع في الثقافة من إبداع وغيره.
ويمكن الاعتراف بأن (الخاص) الذي يمكن اعتباره بأنه الهوية يهدف إلى ما يجب أن يكون عليه وهو (العام) الذي يندغم في الثقافة الكونية. وهكذا فإن الهوية المحلية أو العربية لا سبيل لها إلّا بتشرب ماء الحداثة التي لا تقاوم.
وستجابه الهوية العربية صعوبات تتمثل في مقاومة الحداثة، فهي إذا تنغلق على نفسها وتتحصن بدافع الأصالة والتمسك بالتراث والتقاليد وكذلك العودة إلى الجذور، فإنها تحكم على نفسها بالجمود والتخشب أو أنها تذهب ببطء إلى تصلب الشرايين فيصعب عليها التفاعل مع الحداثة. ومثل هذا الأمر لا ينسحب على الإبداع فحسب بل على ثقافة المجتمع بأسره من سياسة وصناعة وغيرها. إلا أن شجاعة أفراد قلائل في المجتمع ستجاهد حتماً في فتح النوافذ أمام رياح الحداثة.