ووصف الماركسية بأنها مذهب غريب عن العلم. وطالت معارضته أيضاً الفلاسفة الذين عاصروه، وكانوا زملاءه، وبينهم أعضاء حلقة فيينا. لكنه، كان معجباً بشدة بآينشتاين وبرتراند راسل، الذي قاله عنه إنه أعظم الفلاسفة منذ رحيل كانط.
ولد كارل بوبر في النمسا، عام 1902، درس الفلسفة، وشاع اسمه في الوسط الفكري في فيينا. وفي عام 1934 كتب (منطق الكشف العلمي) الذي تطرق إلى موضوعات تخص جماعة فيينا، وموضوعات أخرى. وتوضح لمعاصريه أنه يناقش القضايا الفلسفية بشكل مختلف عن أقرانه، وقد طور نظريات فلسفية تختلف عن النظريات التي توصلت إليها جماعة فيينا، المشهورة في ذلك الحين.
غادر بوبر فيينا متوجهاً إلى نيوزيلاندا، لتدريس الفلسفة، ومن ثم ذهب إلى إنجلترا، وفي المكانين وجد نفسه معارضاً ومنعزلاً ومواجهاً للتيار الفلسفي السائد. رفض الفلسفة اللغوية، التي كان فتجنشتين وأوستين ورايل أعلامها الكبار. أسس مدرسة فلسفية في لندن، انتسب إليها عدد قليل من الذين يقتنعون بآرائه الفلسفية.
كتب عام 1945 كتاباً معادياً للشيوعية، أسماه (المجتمع المفتوح وأعداؤه)، و(فقر التاريخية) عام 1957، وقال بوبر في شرح كتابيه: «نما الكتابان من نظرية المعرفة المطروحة في (منطق الكشف)، أما (فقر التاريخية) فكان تطبيقاً لـ (منطق الكشف) الجديد على مناهج العلوم الاجتماعية».
لقد حاول بوبر طرح نظريات وأفكاراً حول عقم المحاولات التي تستهدف الخروج من أطر المجتمع الرأسمالي، وعارض فكرة أن تكون النظرية الماركسية هي الحل الوحيد، إذ إنه أيد التغيير التاريخي وفقاً لمنهج التجربة والخطأ.
صنفه كثيرون بين عداد الوضعيين الجدد، أما هو فقد نفى ذلك، واعتبر نفسه واقعياً ميتافيزيقياً، مبرراً ذلك بأنه لا يرى جدوى في التعامل مع معاني الألفاظ والعبارات في اللغة العادية أو العلمية، الذي كان ممثلو الوضعية المنطقية، يعدونه المشروع الوحيد للفيلسوف الحقيقي.
بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد عام 1946، التقى بوبر بالفيلسوف فتجنشتين، واختصما وكان اللقاء الأول والأخير بينهما.
في أواخر الستينيات طرح بوبر نظرية (العالم الثالث)، أي عالم النظريات والمشكلات والأحكام النقدية، وهذا العالم هو من صنع الإنسان؛ أما العالم الأول فهو الأشياء والموضوعات الفيزيائية، والعالم الثاني هو ميدان التجربة الذاتية، ميدان الأحاسيس والأفكار.
توفي كارل بوبر في آب عام 1994، واستمرت نظريته المنهجية في التطور على أيدي المفكرين اللاحقين، وما زالت تلقى النقد والتحليل والغضب والإعجاب.