وفي حضارات التاريخ القديمة لعبت الموسيقا أدواراً كبيرة في أساطير تلك الحضارات، ولم تخل أية أسطورة من أساطير العالم القديم من إله أو آلهة للموسيقا ذوي دور بارز في تقرير مصائر البشرية، هذا الفن يلعب دوراً أساسياً في تكوين شخصية الإنسان.
ومن هذا المنطلق يدرك الموسيقي السوري، كيف يتعامل مع موسيقاه ويقدمها للناس ولا أحد يستطيع إنكار النشاط الملحوظ لموسيقينا في السنوات الأخيرة حيث أصبح للموسيقا السورية المعاصرة مكاناً ليس محلياً فحسب بل شهدت لها أغلب المسارح العالمية، ومن هذه النشاطات كان مشروع موسيقا على الطريق الذي أقامته جمعية صدى للثقافة الموسيقية وبإدارة الموسيقي شربل أصفهان حيث تعاونت في الدورة الأولى مع دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 وفي الدورة الحالية مع محافظة دمشق لتتحول حدائق دمشق مساء كل جمعة إلى مسارح لفرق موسيقية ولتختلط الألحان مع عطر ياسمين الشام.
كان ذلك صيف 2008، حيث شاركت جمعية صدى الرغبة مع الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة بتنظيم نشاطات ممتعة في حدائق دمشق خلال فصل الصيف وتم التنفيذ بالتعاون مع أوركسترا الجيش العربي السوري وفرقة الخماسي النحاسي وفرقة بيركومانيا الإيقاعية وقام الموسيقي شربل أصفهان بالتنسيق لهذا الحدث، وهكذا في أيام الجمعة كان موعد أسبوعي مع الفرق في مجموعة من الحدائق )المنشية، السبكي، تشرين، المزرعة( وشهدت هذه الحفلات إقبالاً كبيراً من الناس، حيث كانوا يشكلون دائرة حول الفرق ليصفقوا ويغنوا ضمن جو من الفرح والمتعة.
الدورة الثانية /الحالية/:
بدأت فعاليتها من 26/6/2009 وستنتهي في 23/10/2009، وهذه الدورة كانت أكثر تطوراًَ ليس في عدد الفرق المشاركة فحسب التي وصل عددها إلى حوالي عشرين فرقة بينما بدأ هذا المشروع في الدورة الأولى بستة فرق فقط، بل اختلفت أيضاً في أشكال الموسيقا التي قدمت وتقدم إلى الآن.
ذهبت الفرق الموسيقية إلى الناس في أماكن تجوالهم، تسليتهم وتنزههم، لتقدم موسيقى طازجة وحية، فرق موسيقية متنوعة التشكيلات وعرفت الجمهور السوري بأنماط موسيقية مختلفة، فمن مقطوعات الموسيقى الكلاسيكية الشهيرة المحببة، المارشات والفالسات، الموسيقى الشعبية، موسيقى الجاز، الغناء الجماعي )كورال(، والموسيقى العربية الشرقية، كل ذلك كان يعزف حي وبصورة أقرب إلى عفوية المكان الذي تحكمهُ صدفة الحضور والمرور العابر للجمهور لتصبح الحالة كوليمة جماعية أو طقس جماعي اختلط فيه، الطفل بالشاب بالعجوز، وبالتالي حالة ثقافية موسيقية مفتوحة الأفق، وتفاعلية، إضافة إلى أنه تم تقديم وتوزيع شروح مختلفة عن الموسيقى، أنواع الفرق، وشرح مبسط من الآلات الموسيقية والغربية والشرقية، وشرح مبسط أيضاً عن العصور الموسيقية وعن مفاهيم شائعة مثل الموسيقى الشعبية وموسيقى الجاز، وفتحت هذه التظاهرة فرص عمل جديدة للفرق الموسيقية والموسيقيين، ولابد بأنه سيخلق حالة من الحراك الموسيقي الثقافي، إضافة إلى كونهُ سيكون دافع لتشكيل فرق موسيقية جديدة وشابة تحمل مشاريع موسيقية جادة.
يحمل هذا المشروع في طياته طموحات مستقبلية عريضة، إذ سيتعدى الدور التثقيفي الترفيهي، ليتحول بالتدريج وبالتكامل والتفاعل مع الجهات الثقافية الأخرى المهتمة، الخاص منها والعام، إلى مهرجان موسيقي ثقافي صيفي دوري.
الفرق المشاركة:
تنوعت الموسيقا من خلال الأشكال المختلفة للفرق وطبيعة الموسيقا التي تقدمها، فمن فرقة الجيش العربي السوري التي تعتبر الأعرق في مجال العزف في الشوارع والحدائق والتي ساهمت في الماضي بتشكيل ذائقة الكثير من الناس في المجتمع السوري الدمشقي، فهي حقيقة عبارة عن ذاكرة لموسيقى شوارع دمشق وساحاتها وحدائقها، حيث قدمت العديد من المارشات العسكرية والأناشيد الوطنية والتراث، إضافة إلى أوركسترا طلاب المعهد العالي للموسيقى التي قادها في حفلات موسيقا على الطريق المايسترو ميساك باغبودريان قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية لتقدم العديد من المقطوعات الكلاسيكية العالمية
)تشايكوفسكي، بيزيه، فيردي، خشادوريان...( وأيضاً أوركسترا أطفال شمس التي قدمت أصواتاً غنائية ومقطوعات من الموسيقا الشرقية ومثلها فرقة جسور التي غنت معها المغنية السورية منال سمعان وقدمت أيضاً مقطوعات من التراث السوري بألوانه الزاهية بالإضافة إلى موسيقا من بلاد الرافدين ومقطوعات من الفلكلور الكردي، وقدمت فرقة وجوه العديد من المقطوعات الشرقية وغنت معها المغنية السورية المعروفة ليندا بيطار، والعديد من الفرق )أوركسترا الجاز السورية، خماسي دمشق النحاسي، كورال ألوان، رباعي أورفيوس الوتري، ارتجال، رباعي طوسي، التخت الشرقي النسائي السوري، بيركومانيا الإيقاعية، تجمع وشاح الوتري، أماديوس وعمر وحمور، فرقة تشيلي باند، خماسي الشام النحاسي(.
هكذا بدا مشروع موسيقا على الطريق كساعي البريد ليوصل رسالة الموسيقيين السوريين إلى متذوقي الموسيقا في بلدنا.
أهداف المشروع (كما أوردتها صدى):
تطوير الذائقة الفنية للجمهور السوري وتعريفه على أنماط موسيقية جديدة وتطوير حالة ثقافية موسيقية تفاعلية دورية في الحدائق العامة وغيرها مع أنشطة ثقافية مواكبة مكملة بالإضافة إلى توليد فرص عمل متنامية للموسيقيين السوريين المحترفين والهواة تتناسب مع أعدادهم المتزايدة وتشجيع إقامة فرق موسيقية جديدة، وخلق بيئة تفاعلية بين الموسيقيين ومستمعيهم تساعد على تطوير الذائقة الموسيقية بشكل مناسب، وتقديم الدعم الفني للفرق الموجودة فضلاً عن تفعيل الحدائق والأماكن العامة تثقيفياً مع إمكانية تنظيم نشاطات مرادفة للحفلات الموسيقية فيها كإتاحة الفرصة لعرض الأعمال الفنية للراغبين من طلاب الفنون الجميلة وغيرهم، وتثقيف عام موازٍ بيئي مثلاً، يتعلق بالنظافة والعناية بالمكان، وأيضاً تشجيع النقد الموسيقي الموازي عبر التكليف وتفعيل تغطية إعلامية مناسبة، وترسيخ تقاليد اجتماعية للاستماع للموسيقى، ويشجع موسيقا على الطريق الأسرة والأطفال خصوصاً، على الاهتمام بالموسيقى والأنشطة الثقافية الموازية، كما أن هذا المشروع يتطلع إلى التطوير والتمكين من الاستمرارية والانتشار في كافة أرجاء القطر السوري وهو بالإضافة إلى هذه الأشياء المشاركة بين القطاعين العام والجمعيات الأهلية لتنمية دور محافظة مدينة دمشق ليشمل التوجيه والتنمية الثقافية إضافة لمهامها الأساسية.
التعاون المثمر .. الشراكة الناجحة:
إن دعم هذا المشروع من قبل محافظة دمشق يحمل أبعاد اًومضامين مهمة للغاية، منها الرغبة الضمنية والغير معلنة عن استمرار دمشق كعاصمة ثقافية من خلال دعم بعض النشاطات التي تمت خلال العام الماضي والتي أثبتت أنها يمكن أن تزيد من حيوية المدينة، وتعمل على إضفاء بُعد جمالي ثقافي خاص يكون قريباً من الجمهور بشكل حي ومباشر، حيث أن تظاهرة موسيقى على الطريق تقدم متعة الاستماع الموسيقي للناس في الأماكن العامة من مساحات وحدائق ومسارح مكشوفة، ومنها أيضاً السعي إلى إعادة شيء من الذاكرة للجمهور الدمشقي وبالتالي جعل دمشق بساحاتها وحدائقها كبيت دمشقي عامر بالموسيقى والسهرات، لكن هنا أفراده تحكمهم صدفة اللقاء ومتعة المفاجأة.
إن ما تقوم به محافظة دمشق في هذه الخطوة يتعدى مهامها الأساسية من الاعتناء بالمدينة كحالة عمرانية، تنظيم ساحاتها وشوارعها، الاعتناء بحدائقها ومعالمها الحضارية، ليذهب بعيداً نحو البناء الثقافي الجمالي والفني للمواطن الدمشقي، هذا التعاون بين محافظة دمشق كمؤسسة حكومية واعية ومؤسسة أهلية مثل جمعية «صدى» الثقافية الموسيقية يدل على سعي الجميع نحو بناء مستقبل ثقافي لمدينة مثل دمشق تستحق أن نقدم لها كل ما يتعلق بها، هذه الخطوة البناءة والواعية لدعم هذا المشروع من قبل محافظة دمشق ما هي إلا نوع من جعل دمشق أكثر حيوية وجمالاً، ونوع من إضافة المتعة الموسيقية من خلال فرق موسيقية جادة ذات سوية عالية والتي تعزف موسيقا تحترم عقل المستمع الدمشقي السوري وتليق به.
من هي جمعية «صدى» للثقافة الموسيقية:
هي مؤسسة ثقافية موسيقية غير حكومية وغير ربحية، عضويتها مفتوحة للمشتركين ضمن النواظم المحددة في قرار إشهارها )رقم 689( يتم اختيار مجلس إدارتها دورياً من قبل جمعيتها العامة، وتتمتع بمرونة عالية لتأمين الموارد اللازمة لقيامها بعملها لتحقيق أهدافها وتنمية إمكاناتها الذاتية وذلك من خلال ضوابط نظامها الداخلي الصادر بمرسوم والقوانين المرعية الأخرى، الناظمة للمؤسسات الخيرة غير الربحية في سوريا، وقدمت هذه الجمعية العديد من المساعدات للنهوض بالموسيقا السورية لوضعها على الخط الصحيح فاهتمت بفرقة الجيش العربي السوري وخصصت لها العديد من المدربين بالإضافة إلى دعم الحفلات للفرق الموسيقية أهمها إقامة الحفلة السنوية الكبرى (غالا) للفرقة السيمفونية الوطنية السورية والفرقة الوطنية للموسيقا العربية والعديد من الحفلات الأخرى وإقامة مشروع موسيقا على الطريق خير دليل على الخطة الصحيحة لهذه الجمعية.
الموسيقي شربل أصفهان (مدير المشروع):
للجهد الكبير الذي بذله الموسيقي شربل أصفهان بإدارته لموسيقى على الطريق لابد أن نُعرف القارئ عليه في هذه السطور،
في عام 1997 التحق كطالب بالمعهد العالي للموسيقى ليدرس العزف على آلة التوبا على يد الأستاذ )اولغ كاربوف( والأستاذ
)فلاديمير كراستوف( وآلة القانون على يد الأستاذة )ألميرا( ليتخرج عام 2002. واختاره المايسترو صلحي الوادي في 2000 ليكون عازف التوبا الأساسي في الفرقة السيمفونية الوطنية وبقي حتى اليوم العازف الأساسي فيها، شارك مع الفرقة في العديد من الحفلات والورشات داخل سورية وخارجها، أسس عام 2000 مع مجموعة من عازفي الآلات النحاسية )خماسي دمشق النحاسي( ويعد من أهم التجمعات الموسيقية النحاسية في الشرق الأوسط والأول عربياً، وهو الآن عضو مجلس إدارة الفرقة السيمفونية الوطنية والمدير الفني لفرقة الجيش العربي السوري.
أخيــراً:
في الحفلات الأولى لموسيقا على الطريق كانت الناس تتجمع حول الفرق بعد أن تبدأ العزف وفي الحفلات الأخيرة كان هناك تجمع ينتظر بدء الحفلة وهذا دليل على نجاح هذا المشروع وجذبه لمتذوقي الموسيقا، واليوم بقي أسبوع واحد على نهاية الموسم الثاني للمشروع وهناك أحاديث حول استمراريته حتى في فصل الشتاء حيث تتم دراسات حول الأمكنة الصالحة لهذه العروض، وباعتقادي يمكن لموسيقا على الطريق أن تستغل الأسواق المغلقة كسوق الحميدية وبعض الأنفاق والجسور، استمع الجمهور إلى موسيقاه وهي مختلطة مع عطر الياسمين فليسمعها مع مطر دمشق.