مبحثاً هاماً قد يساعد في قراءة المشهد الثقافي بشكل متوازن وصحيح، ويحيل نصوصه إلى مرجعيات واقعية أو حتى متخيلة، ولكنها في نهاية المطاف تحقق ما هو مطلوب منها.. وهو باختصار تحريك الساكن ونبذ الإدعاء، لاسيما لجهة الأبوة الأدبية التي أصبحت من (الرذائل) التي يسعى البعض إلى التخلص منها، ونفض ثيابه مما علق من ملامحها.
ورغم أن مصطلح (التناص) يلقى رواجاً نقدياً عالمياً، وصدرت تحت عنوانه الكثير من الدراسات والكتب، فإنه يخضع أحياناً لمزاجية الناقد ولمستوى قدرته على اكتشاف التشابه بين نصين، وقد تصل به أحياناً إلى ليّ عنق الزجاجة للوصول إلى هدف بعينه. ومع ذلك فإن التناص واقع مرئي لا مهرب منه، وهذا ما لمّح إليه (بارت) على سبيل المثال في قوله أن كل نص نسيج جديد لاقتباسات ماضية. وكذا الأمر عند (جينيت) في قوله أن التناص حضور متزامن لنصين.
في دراسة نذير جعفر موضوعية وحيادية لا لبس فيها، ولذلك نراه يوسع تعريف التناص فيصل به إلى أنه الحضور النسبي الصريح أو المضمر لنص أو مجموعة نصوص سابقة في نص لاحق عبر المحاكاة أو التحوير أو الاقتباس أو التحويل أو التشرّب أو التلميح أو اللصق.
ولاشك أن من مهام مصطلح التناص البحث في النصوص السابقة واللاحقة، بمعنى أن الريادة تكون للسابق منها، وبالتالي فإن اللاحق هو الذي يخضع للتصريح أو التلميح بمدى تأثره بما هو سابق، وهذا هو بالضبط ما يجعلنا نتوقف عند هذه الدراسة، لاسيما أن بين النصين نحو عشر سنوات كاملة وهي كافية لاستيعاب نص وإعادة إنتاجه من جديد أو على أقل تقدير إعادة طرح أفكاره وخطوطه وإنتاج شخصياته.
من المفرح أن تخرج مثل هذه الدراسات إلى سطح المشهد الثقافي السوري، لتكون بمثابة دعوة إلى النقاد لتناول هذه الجزئية النقدية التي ستساعدنا ليس في كشف المسكوت عنه في الإنتاج الثقافي، وإنما في فهم إشكالية مسيرة التلقيح الإبداعي بين المبدعين أنفسهم، وعلى كافة مستويات هذا التلقيح، بدءاً من التأثر ونهاية إلى ما اصطلحه نذير جعفر نفسه وهو (اللصق)! الأمر الذي قد يدفع البعض للخروج علينا والدعوة إلى الخلاص من التناص، على اعتباره مصدراً للإزعاج ونبشاً لقبور ظنوها بائدة.
">ghazialali@yahoo-com