لم يكن يتبقى في حوزة الوجدان سواها وسوى نظراتها العاشقة، التي ألفت الأفق والسماء والكلمات والطريق والدروس.. عيناها خابيتا كلام.. آه من عيني كلام!؟ وردة صبح وأغنية الغمام.. وتمر قرب القلب ، قافلة الخزام.. أرخت حكمة عينيها للسنة الدراسية بكاملها، وأرخت للدروس والأساتذة وآنسات الصفوق وللطلاب والطالبات.. وإذ ذاك نجحت عيناها والقلب وقصيدة العمر المبكرة.. رغم كل الفوارق الموجودة في مجتمع العشاق التزمنا بأخلاق حب أولى ونهج حب واضح، واهتدينا بعد ذلك النهج الى ثقافة الحب وسلوك الأحباب..
يتعجب الكثيرون، حين نذكر الحب، ونقول: قد نبقى محبين وذاهبين الى الكتابة والعشق.. وقد يستغرب المضللون عشقيا وحياتيا أن جارا في العصر يحب جارا، وأن محبا في الكون يمنح الثقة الكبرى لقلبه وحبه تجاه جيرانه وأصدقائه وأهله.. وقد تستغرب قرية معمية عيناها بغبار التطاحن والكذب الاقتصادي والاجتماعي والتضليلي أن قرية في هذا الوجود تحب قرية تالية جارة أو مقابلة.. الى وقت قريب، ولعلها الى الآن، البلدات الجميلة والقرى الحسناء تسمى بجميلاتها وعاشقاتها، وتعرف أيضا بالمحبين والكرام وأصحاب الضمير والنخوة..
رغم كل القحط الغرامي والإنساني، يمكن للقلب أن يتعاهد مع نبضه الصادق، وبهكذا معاهدة يمكن التأسيس لعمارة حب صغيرة، بحجم نعاس طيب وصباح الخير طيب، ومرحبا وأهلا وحبا وسهلا وجبلا ووعدا وغيما ومطرا..
من غير الحب تموت القصائد وتجفل الورود أمام اليباس وطغيان العطش..
لا شيء يوازي الحب، بكل عناوينه وتفرعاته وأشجاره وأغصانه وثماره.. قبلة حب واحدة تنفع العمر والوجدان أكثر من جميع الكذبات العقارية والمالية والاجتماعية، التي نلقاها مرمية عند حدود الوقت وعلى مقربة من الأفئدة المعطوبة..
كيف نحب؟ سؤال برسم العافية واليوميات الذاهبة الى أوقات الأحباب .. والإجابة أصعب وأبعد من أن تمسك بها أصابع غير الحب...
أبناء المدن والقرى تعنيهم (المونة) ويبحثون عن الحاجات، التي يمكن الاحتفاظ بها وقتا طويلا، الى حين حاجتها.. الحب مونة المونات، وأحسن من أحسن الأرصدة والمدخرات، وعلى أي محب أن يدخر بعض حب الأيام البيضاء للأيام السوداء و(الناشفة).. أصدقاء كثيرون منذ فترة وجيزة شعروا بـ نشفان حلوقهم وخلو قلوبهم من كلمة حب واكفة.. هل يعقل أنهم أهملوا مونة القلب، وصاروا مشردين من غير حب صالح للمونة؟! إن فعلوا فقد تعسوا وساءت أحوالهم الحبية الى حد الهلاك..
الهلاك العشقي أقسى من أي هلاك آخر.. والهلاك النفسي الشامل، الذي تعانيه النفوس المعاصرة والعلاقات المعاصرة سببه الجوهري غياب (مونة الحب) من بيوت الناس وقلوبهم.. والأقسى أن ربات البيوت صرن ينصرفن الى المعلبات والحاجات المسبقة الصنع، ولا يعتنين ببعض (مونة شوق) أو (مونة صدق) أو (مونة حب عائلي).. ربات البيوت والقلوب انحرفن، لسوء الحظ، عن ترتيب أحوال المؤن والحب الى مسؤوليات تافهة وبائسة من نوع سرقة حائط وبيع سقف، وتزوير قناعة وتأبين عهد، وشراء رجل وبيع نصف شحاد، وشراء خديعة واقتناء ادعاءات وابهات.. وهذا هو البؤس والعيب من وجهة نظر الحب والإنسان السوي..
من غير حب شامل نصبح بؤساء وشحادين.. وهذه إحدى غصص أيام اللا حب، وكم هي دارجة!؟
كاذب واحد يلوث قرية بأكملها بلهاث كذباته، ونصاب غرامي يشوه قرية عاشقين، والنصابون والمحتالون صاروا مخضرمين وبأسماء عديدة، وصاروا الطفرة العصرية: الواحد منهم بين نصبة ونصبة أو احتيال واحتيال يصبح ذا مال وامرأة وفائض سوء وكذبات وخدائع وتشوهات غرامية.. ويحاضر بالنجاح الاجتماعي والبيئي والأخلاقي؟!
غدونا بأمس الحاجة الى وزارات مختصة بحماية البيئة الغرامية والإنسانية والكلامية والعلاقات الاجتماعية والإنسية والجنية، من الأثرياء الطفرة والكاذبين الطفرة والمزيفين الطفرة.. ما أبشع الكون الذي يكثر فيه الإنسان الطفرة؟!؟ الطيبون والمحبون خائفون على (مؤن سعادتهم) القليلة.. أين هيئات حماية الطيبة والبيئة الحبية؟!؟ لكل محب هيئة حمايته الشخصية ولكل طيب أسلوبه الخاص في حماية (ممتلكاته) العشقية ومسراته .. ومهما يكن من شأن المتطفلين والمزورين وأصحاب السوابق الخداعية الغرامية والحياتية فالطيبة النبيلة والإخلاص موجودان وناجحان... وقصدت بـ ممتلكات: أن العشق الدارج صار مثل المكاتب والدوائر العقارية رشوة متبادلة من غير حب متبادل..
الحب الدارج التسويقي يشبه الطبخات المعلبة، أو الأكلات التي توضع في (الثلاجات) فتصير من غير فيتامينات ومن غير نكهات طبيعية.. حين نسأل: كيف نحب؟ يجب أن نسأل: كيف نكون صادقين؟ وكيف نكون نشيطين ومبدعين؟ وكيف نحمي مؤن الاشتياق من التلف، دون الاعتماد على المواد الحافظة؟!
وكيف نثق بأنفسنا وطيبتنا ووجداننا وجيراننا وأحبابنا والأصدقاء والصديقات؟ وكيف نثق بالكرامة والقناعات الجوهرية والأماني المثمرة؟؟!
كل حبيبة يجب أن تتعلم الابتسامة والمصادقة على الفرح البسيط وأن تتدرب على ترتيب مؤنها الخاصة من الإخلاص وأن تقرأ فصلا أو فصلين أو أكثر في كتاب الانسجام مع عائلة ذاتها والآخرين.. وحين يتقدم الحب والعمر بهذه الحبيبة يمكن لحبيبها أن يمد يده الى (مونة الدلع العاشق) أو (مونة الصبر على الأحزان ومطالب الحياة والأولاد) ويمكن أن يطلب منها:
أين مونة الابتسامات وضحكات القلب؟