تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فيلليني.. عراب السينما الإيطالية

كتب
الأربعاء 21-10-2009م
لما كان فيلليني في السابعة من عمره أخذه أبواه إلى السيرك (صدمتني رؤية المهرجين حقاً. لم أعرف إن كانوا حيوانات أم أشباحاً، لم أجدهم مضحكين،

ولكني أحسست إحساساً غريباً، وإحساساً بأن حضوري متوقع، في تلك الليلة وفيما تلاها على مدى أعوام كنت أحلم بالسيرك وخلال أحلام السيرك تلك شعرت أنني عثرت على المكان الذي أنتمي إليه وفي تلك الأحلام كنت أرى فيلاً عادة).‏

ويطلعنا أنه كان هناك بطلان في حياته المبكرة، أحدهما جدته والآخر مهرج..‏

كان واقع فيلليني يتعدى حتى أحلامه، لقد ترك لنا تلك الأحلام في أفلامه التي تعد تراثاً غنياً وقال: إن أهم موضوع في حياته هو (الأحلام التي هي الحقيقة الوحيدة وتساءل: هل استفدنا من العقل الباطن؟ هل تنتهي الأحلام؟ إن كتاب (أنا فيلليني) هو كلام فديريكو فيلليني خلال الأربعة عشر عاماً التي عرفه فيها مؤلف الكتاب والتي امتدت من عام 1980 عندما التقاه في روما حتى الأسابيع القليلة التي سبقت وفاته من خريف عام 1993 لذلك فإن هذه المذكرات هو ما حكاه لا ما كتبه.‏

وقال لها: يجب أن تدوني مقداراً كبيراً من كلماتي حتى أتمكن من مراجعتك إذا رغبت في معرفة شيء من مشاعري في وقت ما. إن البحث عن حقائق الحياة أسهل من تذكر المشاعر، والانسان لا يتذكر حياته بحسب ترتيبها الزمني فالنحو الذي سارت عليه هو الأهم.‏

والأهم في ظاهر الأمر. نحن لا نتحكم في ذكرياتنا وواحدنا لا يملك ذكرياته بل هي التي تملكه أنت مستمعة جيدة وأنا أتعلم أحياناً شيئاً عن نفسي مما أسمع نفسي أحكيه لك، لم أتعمد الكذب عليك، لأني أثق بك وأنا لا يمكنني أن أكذب على شخص يصدق كل ما أقوله.‏

وبالطبع يمكن أن أكذب على نفسي وكثيراً ما أفعل ذلك.‏

هذا الكتاب مقسم إلى ثلاثة أقسام هي (فديريكو وفديريكو فيلليني وفيلليني...‏

يحكي القسم الأول عن فيلليني الفتى وفيلليني الشاب الذي تأثر أعمق التأثر بالسيرك والمهرجين، وسينما فوكور وأفلامها الهوليودية، والقصص الأمريكية المصورة التي طور منها رؤيته للعالم، ويحكي عن انتقاله إلى روما، ويروي القسم الثاني قصة تحول المعجب بالسينما إلى مخرج واكتشافه هدف حياته، أما القسم الثالث فيتحدث عن الرجل الذي تحول إلى إسطورة في حياته وكان أشهر من الأفلام التي صنعت شهرته.‏

إن أهم شخصية فيما أخرج من أفلام هي الشخصية التي قلما تظهر في الفيلم ومع ذلك فهي موجودة على الدوام، وهذه الشخصية هي فيلليني نفسه.‏

لقد كان نجم أفلامه جميعاً وفي الحياة اليومية كان شخصاً آسراً... كريماً مراعياً مشاعر الآخرين وكان من أهم قناعاته بشأن الحياة اليومية : (إن الانسان يواصل الحياة ما دام هناك أحياء يعرفونه ويهتمون به..)‏

ولد فيلليني في مدينة ريمييني الايطالية في 20 كانون الأول عام 1920 كان مؤمناً بالأحلام على نحو غريب وحقيقي: (إذا كنت أعرف شيئاً فإني أعرف أني لا يمكن أن أكون شخصاً آخر. كل إنسان يعيش في عالمه المتخيل، ولكن معظم الناس لا يعون ذلك. لا أحد يدرك عالم الواقع.‏

في طفولته كان مولعاً بالدمى وتعد من أرسخ ذكرياته، كان في التاسعة عندما بدأ يصنع الدمى ويقيم العروض، كان يرسم دمى المسرح قبل أن يصنعها من الورق المقوى والصلصال. كان يعيش على الجانب الآخر من شارع منزله نحات رأى دماه وشجعه قائلاً: (أنت موهوب) ليس هنالك أثمن من التشجيع المبكر. كان مولعاً بليتل ينمو شخصية قي قصص أمريكية مصورة وأحب (بوباي) وأصبح مولعاً بالرسم يرسم بقلم الرصاص ثم بالأقلام الملونة وأراد أن يلتقي بفلاش غوردن ولم يكن ليصدق أنه شخص خيالي.‏

ويعترف أنه لم يذهب قط إلى عيادة طبيب نفسي ولكن كان له صديق يعمل طبيباً ومحللاً نفسياً ساعده على اكتشاف عالم يونغ وشجعه على تدوين أحلامه والحوادث المماثلة للأحلام باستمرار وكان لذلك دور مهم في بعض أفلامه.‏

(إن اكتشاف يونغ زادني جرأة على الثقة بالخيال على حساب الواقع وقد زرت سويسرا لأشاهد المكان الذي عاش فيه يونغ واشتريت الشوكولاته ولازمني تأثير يونغ والشوكولاته معاً طيلة حياتي).‏

يؤكد فيلليني: إن ظروف العجز قد تكون عظيمة الفائدة فعدم امتلاك كل شيء يوسع آفاق الابداع والتخيل وهذان يطلقان امكاناتك كإنسان أكثر مما يطلقان امكاناتك كمدير ميزانية...‏

يستطيع فيلليني أن يخلق حلماً وعيناه مفتوحتان...‏

لم توهب له موهبة جمع المال بل على العكس كان عنده موهبة متناقضة لذلك. يذكر لنا أنه لم يبال بالمال إلا عندما أتى إلى روما ولم يستطع أن يشتري إلا وجبة واحدة في اليوم يظل بعدها جائعاً.‏

(لا أحب جمع المقتنيات وقد سمعت مرة عن راعي بقر أرجنتيني كان يأكل بالسكين لأنه خشي إن استخدم الشوكة أن يحتاج إلى صحن، ثم إلى طاولة للصحن ثم إلى كرسي للجلوس إلى الطاولة وأخيراً إلى منزل لحفظ كل ذلك فيه.‏

كان يخشى أن تتملكه الأشياء إذا امتلكها وقد قاوم خلال حياته أسر الأشياء له. وفعل الشيء ذاته مع الناس، فقاوم التورط العاطفي وأحس خطر ذلك التورط عندما حصل...‏

عندما توفي فيلليني قال إسطورة التمثيل ماستروياني عقب احتفال التكريم: (إننا نكرمه الآن وهو ميت ولما كان حياً لم نساعده على صناعة الأفلام، الكل يتحدثون عن عبقريته، ولكن أحداً لم يقدم له العون طيلة السنوات الماضية. نحن نحتاج إلى مزيد من التأمل لندرك كم كان الرجل عظيماً.‏

الكتاب أنا فيلليني وسيناريو روما فيلليني. - ترجمة عارف حديفة- نبيل الدبس - صادر عن وزارة الثقافة -الفن السابع في 611 صفحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية