يقول إميل دوركهايم في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه (لقد آثار هذا الكتاب عندما نشر للمرة الأولى جدلاً حاداً حيث أظهرت الأفكار الشائعة مقاومة عنيفة إلى درجة بدا لنا خلال فترة معينة أنه من غير الممكن أن ندلي بصوتنا في المسألة وحتى في المسائل التي أسترسلنا في تفسيرها بصفة واضحة فقد حملنا بصفة خاطئة أفكاراً لم تكن من قبلنا بتاتاً وراح البعض يعتقد أنه يعارضنا بمجرد رفضه لأفكارنا تلك لقد صرحنا في أكثر من موضع أن الضمير الفردي أو الاجتماعي ليس جوهرياً في حد ذاته بل هو مجرد مجموعة منتظمة من الظواهر الخاصة وهذا ما دفع إلى اتهامنا بالواقعية والانطولوجية).
يعتبر الافتراض الذي يقول إن الظواهر الاجتماعية يجب معالجتها لأشياء متعددة وهو الافتراض الذي يتأسس عليه منهج دوركهايم - الافتراض الذي أثار الجدل أكثر من غيره حيث وجد البعض أن ما قام به من تشبيه وقائع العالم الخارجي بوقائع العالم الاجتماعي لهو أمر مفارق وهذا دليل على سوء الفهم - كما يعتبر دوركهايم - حول معنى هذا التشبيه ومداه حيث لا يعني ذلك أنه يحول الأشكال السامية للكائن إلى أشكال دونية ولكن على العكس من ذلك فإنه يخول للأولى درجة من الواقع تعادل تلك الدرجة التي يعترف بها الجميع للأشكال الثانية لم يقل دوركهايم إن الظواهر الاجتماعية هي أشياء مادية لكنها أشياء بنفس مرتبة الأشياء المادية ولو بصيغة أخرى.
إن كان حقيقة مصدر التطور الاجتماعي موجوداً في التكوين النفسي للإنسان فإن دوركهايم لا يرى جيداً كيف كان بإمكان أن يحدث هذا التطور الاجتماعي لأننا يجب أن نقبل أن محركه متمثل في تلك القوة الكامنة في الطبيعة الإنسانية لكن ما هذه القوة؟ هل يتعلق الأمر بذلك النوع من الغريزة التي تحدث عنها أوغست كونت والتي تدفع بالإنسان إلى تحقيق أكثر فأكثر لطبيعته؟
يصل دوركهايم إلى قاعدة محددة يجب أن نبحث عن السبب المحدد لظاهرة اجتماعية من بين أو ضمن الظواهر الاجتماعية السابقة وليس ضمن حالات الضمير الفردي من جهة أخرى يمكن لنا أن نعتقد بسهولة أن كل ما سبق يمكن تطبيقه على تحديد الوظيفة وأيضاً على تحديد السبب. إن وظيفة الظاهرة الاجتماعية لا يمكن أن تكون إلا اجتماعية أي إنها تتمثل في إنتاج آثار لها منافع اجتماعية، ومن الأكيد أن هذا يمكن بأن يحدث وبالفعل يحدث بطريقة غير مباشرة أن تخدم الظاهرة الاجتماعية الفرد.
تضمن الكتاب عناوين دوركهايم المعروفة لدى المختصين: (ما معنى ظاهرة اجتماعية القواعد المتعلقة بملاحظة الظواهر الاجتماعية القواعد المتعلقة بالتمييز بين ما هو سليم وما هو معتل، القواعد المتعلقة بتكوين الأصناف الاجتماعية ، القواعد المتعلقة بتفسير الظواهرالاجتماعية، القواعد المتعلقة بإقامة البراهين.
الكتاب: قواعد المنهج السوسيولوجي. - ترجمة: سعيد سبعون - صادر عن دار القصبة - الجزائر.