تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قوة الاستثناء وعجز القاعدة!

كل أربعاء
الأربعاء 21-10-2009م
سهيل إبراهيم

تخوض في نهر الآلم الفلسطيني ، وكأنك تكوي جرحك بالسكين ، فأنت صاحب هذا الألم ورفيقه وتاريخه وضحيته منذ ولدت ، أنت الشاهد عليه ، والمثقل بمواجعه والهارب منه وإليه ، والقابض على جمره ،

تمشي على حبل فجائعه من سقوط إلى انكسار ، ومن حائط مسدود ، إلى نفق من نار يحرق خيالك ، ويلقي بك على قارعة هذا العصر مجرداً من الأحلام.‏

أنت الفلسطيني السوري العربي - لا فرق فالأرومة واحدة - تتفقد اليوم خطوط وألوان مشهدك العبثي المكرر في دفاتر العقود المنصرفة ، فترتجف من الذعر، والوقائع النافرة المستجدة فيه تنفخ الغبار في عينيك ، فتكاد لاترى سوى السواد الناصع الذي يستطيع العرب اليوم أن يرسموا عليه أي شيء ماعدا شارة النصر!‏

نسيج عربي مفتت ، ونسيج فلسطيني ممزق ، فأيهما خرج من رحم الآخر , وأيهما يقود الأخر نحو نهاية الشوط الموعود بخسارة الرهان، وأيهما أحل للآخر أن يطرد فلسطين من ترابناوهوائنا ولغتنا؟؟ هما يتكاملان الآن ، ويسهل كل واحد منهما للاخر المخارج ، فلا الفلسطيني يقوى على صنع معجزته دون حاضنته العربية ، ولا العرب قادرون على القفز فوق القرار الفلسطيني المستقل الذي ينشطر اليوم بين قرارين ومنهجين وفراغين يطبقان على رام الله وغزة كعباءة الظلام؟‏

كلاهما يتواطأ عليك ، أنت الفلسطيني العربي التائه في فجاج صحارى العرب الشاسعة وكلاهما يجرب انتزاع يقينك بأنك صاحب الحق ، وبأن هذا المشهد الرمادي الذي رسموه لمصيرك في صفحات العقود السالفة ، هو صورة عجزهم التي لاتشبه إيمانك بحقائق القوة في أمتك ، والتي أهدروها في رهانات الجهل والارتجال والمقامرة البائسة!‏

القرار الوطني الفلسطيني المستقل منذ أحكم فخه أول مرة في قمة الرباط ليس تفويضاً بالانهزام دون حرب، أو تجريد التراب الفلسطيني من هويته وتطويبه بالأحرف العبرية ، دون إذن من التاريخ والجغرافيا ، أو المتاجرة بقبة الصخرة وماحولها من قدس في سوق العرض والطلب ، في غفلة عن مرجعيتها الأولى المعقودة لأمتين فيهما الكثير من البشر والقليل من الإرادة ، هما أمة العرب وأمة المسلمين ، وبالمقابل فإن احترام القرار الفلسطيني المستقل لايعني رمي الفلسطيني في محرقة الصراع ، والاكتفاء بنشر أوراق نعي شهدائه على حيطان مباني عواصم العرب المشغولة بثاراتها القبلية ، وتصفية حساباتها المؤجلة من قمة إلى قمة ، ولايعني الفوز ببراءة الذمة من الدم الفلسطيني ، وتآكل التراب الفلسطيني تحت زحف غول الاستيطان المسلح بأوامر المصادرة والهدم والتجريف وتحت علم المفاوضات الذي يرفرف في سماء لا نملك شيئاً من أزرقها الفاتح وهوائها وغيمها الأبيض!‏

هموم العرب في بعض مواقعهم ، في زمن القرار الفلسطيني المستقل ، صارت تتلخص بإطلاق جلعاد شاليط من الأسر بأقل ثمن من أسرى فلسطين ، وهمومهم تكاد تُختصر اليوم بإذعان إمارة موبوءة بالإيمان وإرادة المقاومة في غزة لشروط الرباعية الدولية التي لم ينضج في كرومها عنب السلام ولاتعرف الفارق بين المقاوم والإرهابي ولابين الاحتلال وحقوق البشر بالحرية والاستقلال!‏

ورغم أن الخوض في نهر الدم الفلسطيني موجع كسكين في جرحك فستظل تخوض فيه ، لأنك صاحب الألم ورفيقه وتاريخه ، ولأنك الشاهد عليه في زمن الخيارات البائسة التي ذهب إليها فريق من قومك ، توهموا أن قدر القوة الصهيونية لايرد ، وأن فراغ القوة في الراهن العربي قضاء لايرد ، دون أن يهتدوا إلى اليقين العاري بأن هذا المشهد العبثي الذي يرتسم في تاريخنا هو الاستثناء مهما امتلك من قوة على الإقناع ، وأن القاعدة سوف تتوازن وتعيد ترتيب فوضى هذا المشهد ، مهما بدت اليوم عاجزة عن الحسم.‏

أنت أيها الفلسطيني السوري العربي لامنجى لك إلا يقينك ، وليس من قوة في هذا العالم تقوى على تجريدك من الحلم مهما حط في عينيك من غبار هذه الأيام!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية