أولاً, في حين أن الدول الصناعية لا تزال تتخبط بالأزمة الاقتصادية, وما زالت معدلات النمو سالبة, أي أن الانكماش ما زال مخيماً على الاقتصاد رغم تراجع معدلاته, إلا أن الاقتصاد الصيني نما بمعدلات فاجأت الكثير من الخبراء والمحللين, والأهم من ذلك قدرة الصين على التكيف مع الأزمة الاقتصادية العالمية, ومواصلة توسعها التجاري.
صحيفة «نيويورك تايمز» أكدت الأسبوع الماضي بأن الصادرات الصينية هذا العام تجاوزت نظيرتها الألمانية لتحتل الصين ترتيب الدولة الأولى في العالم. ويشير تقرير أصدره «غلوبال تريد إنفورميشن سيرفيسز» إلى أن تراجع الصادرات الصينية إلى الخارج بلغ (22%) بسبب الأزمة الاقتصادية, لكن في المقابل فإن تراجع الصادرات الألمانية بلغ (34%) والأميركية (24%) وتستنتج الصحيفة من خلال المعطيات الإحصائية خلاصة مفادها أن الصين «حصلت هذا العام على نصيب الأسد من كعكة السوق الآخذة في التضاؤل», وتشير تقارير أميركية إلى أن أضخم المكاسب الصينية التي تحققت هذا العام تكمن في قدرتها على الحلول محل كندا كأكبر مورد للولايات المتحدة, إذ خلال السبعة أشهر الأولى لعام (2008) كانت أقل من (15%) من الواردات الأميركية تأتي من الصين, فيما بلغت الواردات القادمة من كندا خلال تلك الفترة (19%) بيد أن نصيب كندا من الواردات الأميركية انخفض في الوقت الحالي إلى (14.5%) بعد أن كان في السابق (17%).
ثانياً, ارتفاع الاستثمارات الصينية في الخارج, إذ نجحت بكين في استثمار الثغرات التي ولدتها الأزمة الاقتصادية العالمية لزيادة استثماراتها, وفي هذا السباق تقول دورية «بيزنس ويك» الأميركية إن الصين ضاعفت استثماراتها الخارجية خلال العام الفائت لتعادل (52) مليار دولار, في حين توقع صناع القرار في الصين زيادة بنسبة (13%) العام الجاري بالرغم من التباطؤ المسجل هذا الشتاء.
ثالثاً, في خط موازٍ للتطورين السالفي الذكر بدأت الصين, مستفيدة من الإفلاسات والمصاعب التي خلفتها الأزمة الاقتصادية, بالاستحواذ على شركات معروفة بقوتها وعراقتها في الدول الصناعية, وفي سياق عملية الاستحواذ هذه أشارت «بزنس ويك» إلى «أن الصين تبدو عازمة على شراء العالم بأسره». في حزيران وتموز الفائتين قامت ثلاث شركات صينية هي «سنيوبس» العاملة في تكرير النفط, و«بكين أوتوموتف» الصانعة للسيارات و«هير» بالاستثمار, أو أبدت اهتماماً بالاستثمار في حقول النفط العراقية, وفي شركة «أوبل»الألمانية التابعة لشركة (ج. م) وفي شركة صناعة أجهزة في نيوزيلندا وفي مجمع متاجر ياباني. وفي أستراليا عقدت الشركات الصينية صفقة بقيمة (1.4) مليار دولار اشترت بموجبها «ماين متلز» فضلاً عن استثمار (770) مليون دولار لشراء حصة «فورتس كيوميتالز». وثمة أسباب تقف وراء الاستحواذ السريع الذي تقوم به الصين على شركات عالمية كبرى, فالصين هي الدولة الوحيدة التي تحوز على سيولة كبيرة رغم الأزمة الاقتصادية ورغم الإنفاق الاستثنائي لمواجهة الأزمة, إذ بلغت احتياطات الصين (2.1) تريليون دولار, ويعارض كثير من الصينيين الاستمرار في توظيف هذا الفائض في سندات الخزينة الأميركية المنخفضة المردود.
هذه المؤشرات بقدر ما تعكس تقدم وازدهار الصين على المستوى الاقتصادي وتبوأها مكانة دولية غير مسبوقة, فإنها تمثل سباحة عكس التيار مقارنة مع المعطيات التي تحكم الدول الصناعية الغربية.