فلقد تم إرسال القوات الأميركية أولاً إلى العراق لتعود فيما بعد إلى سورية بعد تزويدها بالمدرعات الثقيلة والأسلحة، فالخطط مستمرة لتعزيز إعادة الانتشار.
ملاحظات وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في بروكسل في هامش اجتماع وزراء دفاع الناتو الذي عقد في ٢٥ تشرين الأول الماضي وعلى أثر مؤتمر صحفي في البنتاغون في ٢٨ تشرين الأول بانت نوايا الولايات المتحدة الخفية فهناك نماذج جديدة على الساحة، حيث أن النهج الأميركي يسير على ثلاث محاور أساسية، بداية تدرس واشنطن الدور الذي يمكن أن يقوم به حلفاؤها الغربيون: «لقد تناقشت مع حلفائنا في حلف الناتو حول الوضع في سورية، ودعوت باقي الدول التي تلعب دوراً واضحاً
وأبدى بعض الحلفاء لواشنطن رغبتهم بإنشاء منطقة أمنية على طول الحدود السورية-التركية».
من الواضح أن هذه الأفكار جديدة لاسيما الخطة الألمانية المتعلقة بشمال سورية، وكانت موسكو قد حذرت من حدوث أي تدخل لحلف الناتو في سورية ومن المستبعد أن يتصرف الاتحاد الأوروبي دون تفويض الأمم المتحدة التي لا بد وأن تنتظر الموافقة الروسية.
وبما أن منطقة الشريط الأمني لها تأثير واسع على مسألة اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي لا بد وأن يكون للعواصم الأوروبية دوراً في حل المشكلة أيضاً.
المحور الثاني لإعادة التوجيه الاستراتيجي الأميركي يتعلق بنشر القوات الأميركية، فرغم سحب الولايات المتحدة لعدد من جنودها من منطقة المواجهة المباشرة إلا أن انتشارهم لم يتغير في قاعدة التنف نقطة التقاء الحدود الجنوبية لسورية مع العراق والأردن، الذي يمر عبرها الطريق السريع الاستراتيجي M2 بين بغداد ودمشق، تلك القاعدة هي «القاعدة « الأميركية التي تقوم بمراقبة مناطق التصعيد بشكل استراتيجي.
وكانت واشنطن قد تجاهلت الاحتجاجات الروسية المتكررة بشأن قاعدة التنف معتقدة أنها ستتمكن بذلك من مواجهة التحالف الروسي-السوري-الإيراني في المنطقة.
مع ذلك، المحور أو النهج الأميركي الثالث يقضي بفتح «صندوق باندورا» الذي يرمز إلى إطلاق الشرور: حيث قرر ترامب الاستيلاء على حقول النفط في دير الزور القريبة من الحدود العراقية والممتدة على طول نهر الفرات و أكد إسبر على نشر عدد غير محدود من الجنود الأميركيين والمعدات لحراسة حقول النفط التي تسيطر عليها «قسد»، كما أشار إلى مركزة «موارد إضافية في محيط دير الزور» بما في ذلك قوات آلية وغيرها وأضاف «أن التعزيزات ستستمر إلى أن نرى أننا نحظى بالقدرات الكافية» وأضاف أن حقول النفط تشكل مصدراً أساسياً لتمويل قسد مما يساعدها في زيادة قدراتها.
إذاً هناك العديد من الأمور التي تشكل سبباً في التصعيد المثير للجدل مثل التحذير الضمني لموسكو، وعزم الولايات المتحدة بمتابعة تحالفها مع الأكراد وتقوية مصادرهم المالية وقدراتهم العسكرية حيث أن حقول النفط هذه تُعَدّ مصدراً حيوياً لدمشق لأن أغلب بترولها يأتي من شمال شرق سورية، فالولايات المتحدة تعمل على عرقلة حدوث أي اتفاقية سورية روسية لوضع حقول النفط تحت السيطرة السورية.
وبعبارات بسيطة يمكننا القول أن الصراع من أجل السيطرة على حقول النفط في شرق سورية لا علاقة له بالإرهاب، إنما هو صراع جيو-سياسي بحت.
دون شك، تعمل الولايات المتحدة على تقوية علاقاتها مع الأكراد لتشكيل تحالف ذاتي التمويل، لكن كيف يمكن لموسكو ودمشق قبول فكرة سيطرة أميركا على ٣٠% من الأراضي السورية؟ بنفــس الوقــت تنظــر تركيا إلى شبح إنشاء دولة كردية برعاية الولايات المتحدة على بعد ٣٠ كيلو متر من حدودها مع سورية، وهكذا يجد ترامب وإسبر مكاناً للأكراد باعتبارهم أبطالاً للفولكلور الأميركي.
وغني عن القول أن مشاريع ترامب حول حوض الفرات الغني بالنفط سيقطع آفاق التقارب التركي-الأميركي الجاد، وحيث ستمسي تركيا أكثر مديونية لروسيا وإيران بعد الحرب.